وقد وقع نزاع بين العلماء حول هذا الحديث، حتى أفرد بعضهم له مصنفا مستقلا، كما ذكر ذلك ابن كثير عن نفسه في البداية والنهاية (١١/ ١٤٦)، وقال النووي في شرحه لمسلم (١٦/ ٦٣ - ٦٤): "واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه الإشكال: أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور لا خلاف فيه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل، قال القاضي: والذي في مسلم هنا أنه زوجها أبو سفيان غريب جدا! وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور. ولم يزد القاضي على هذا، وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة وأبوها كافر، وفي رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال: موضوع، قال: والآفة فيه من عكرمة بن عمار، الراوي عن أبي زميل، وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح هذا على ابن حزم، وبالغ في الشناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته، فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار، وإطلاق اللسان فيهم، قال: ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما، قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه وغفلة، لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطييبا لقلبه، لأنه كان ربما يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه، أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبي سفيان ممن كثر علمه وطالت صحبته، هذا كلام أبي عمرو، وليس في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جدد العقد، ولا قال لأبي سفيان إنه يحتاج إلى تجديده، فلعله - صلى الله عليه وسلم - أراد بقوله: "نعم" أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة عقد، والله أعلم". وانظر أيضا كلام ابن القيم حول هذا الحديث في زاد المعاد (١/ ١٠٦ - ١٠٨).