للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليشكروه وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلنَا لَهُم سمعا وأبصارا وأفئدة فَمَا أغْنى عَنْهُم سمعهم وَلَا أَبْصَارهم وَلَا أفئدتهم من شَيْء} وَقَالَ تَعَالَى الم نجْعَل لَهُ عينين وَلِسَانًا وشفتين وهديناه النجدين فَذكر هُنَا الْعَينَيْنِ الَّتِي يبصر بهما فَيعلم المشاهدات وَذكر هِدَايَة النجدين وهما طَرِيقا الْخَيْر وَالشَّر وَفِي ذَلِك حَدِيث مَرْفُوع ومرسل وَهُوَ قَول اكثر الْمُفَسّرين وتدل عَلَيْهِ الاية الاخرى {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} وَالْهِدَايَة تكون بِالْقَلْبِ والسمع فقد دخل السّمع فِي ذَلِك لُزُوما وَذكر اللِّسَان والشفتين اللَّتَيْنِ هما آلَة التَّعْلِيم فَذكر الات الْعلم والتعليم وَجعلهَا من آيَاته الدَّالَّة عَلَيْهِ وعَلى قدرته ووحدانيته ونعمه الَّتِي تعرف بهَا الى عباده وَلما كَانَت هَذِه الاعضاء الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ اشرف الاعضاء وملوكها والمنصرفة فِيهَا والحاكمة عَلَيْهَا خصها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالذكر فِي السُّؤَال عَنْهَا فَقَالَ إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل اولئك كَانَ عَنهُ مسؤلا فسعادة الانسان بِصِحَّة هَذِه الاعضاء الثَّلَاثَة وشقاوته بفسادها قَالَ ابْن عَبَّاس يسْأَل الله الْعباد فِيمَا استعملوا هَذِه الثَّلَاثَة السّمع وَالْبَصَر والفؤاد وَالله تَعَالَى اعطى العَبْد السّمع ليسمع بِهِ اوامر ربه ونواهيه وعهوده وَالْقلب ليعقلها ويفقهها وَالْبَصَر ليرى آيَاته فيستدل بهَا على وحدانيته وربوبيته فالمقصود باعطائه هَذِه الالات الْعلم وثمرته وَمُقْتَضَاهُ الْوَجْه الْخَامِس والثامنون ان انواع السَّعَادَة الَّتِي تؤثرها النُّفُوس ثَلَاثَة سَعَادَة خارجية عَن ذَات الانسان بل هِيَ مستعارة لَهُ من غَيره يَزُول باسترداد الْعَارِية وَهِي سَعَادَة المَال والحياة فَبينا الْمَرْء بهَا سعيدا ملحوظا بالعناية مرموقا بالابصار إِذا اصبح فِي الْيَوْم الْوَاحِد اذل من وتد بقاع يشج رَأسه بالفهرواجي فالسعادة والفرح بِهَذِهِ كفرح الاقرع بحمة ابْن عَمه وَالْجمال بهَا كجمال الْمَرْء بثيابه وبزينته فاذا جَاوز بَصرك كسوته فَلَيْسَ وَرَاء عبادان قَرْيَة ويحكى عَن بعض الْعلمَاء انه ركب مَعَ تجار فِي مركب فَانْكَسَرت بهم السَّفِينَة فاصبحوا بعدعز الْغنى فِي ذل الْفقر وَوصل الْعَالم الى الْبَلَد فاكرم وَقصد بانواع التحف والكرامات فَلَمَّا ارادوا الرُّجُوع الى بِلَادهمْ قَالُوا لَهُ هَل لَك الى قَوْمك كتاب اَوْ حَاجَة فَقَالَ نعم تَقولُونَ لَهُم اذا اتخدتم مَالا لَا يغرق اذا انْكَسَرت السَّفِينَة فاتخذوا الْعلم تِجَارَة وَاجْتمعَ رجل ذُو هَيْئَة حَسَنَة ولباس جميل ورواء بِرَجُل عَالم فجس المخاضة فَلم ير شَيْئا فَقَالُوا كَيفَ رايته فَقَالَ رَأَيْت دَارا حَسَنَة مزخرفة وَلَكِن لَيْسَ بهَا سَاكن السَّعَادَة الثَّانِيَة سَعَادَة فِي جِسْمه وبدنه كصحته واعتدال مزاجه وتناسب اعضائه وَحسن تركيبه وصفاء لَونه وَقُوَّة اعضائه فَهَذِهِ الصق بِهِ من الاولى وَلَكِن هِيَ فِي الْحَقِيقَة خَارِجَة عَن ذَاته وَحَقِيقَته فان الْإِنْسَان انسان بِرُوحِهِ وَقَلبه لَا بجسمه وبدنه كَمَا قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>