للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشَّبَاب وأرباب الشَّهْوَة الَّتِي لَا يكرها إِلَّا مواقعه نِسَائِهِم فَرَأى أَن هَذِه الْمصلحَة أرجح من مفْسدَة سد الذريعة فَنظر وَرَأى الأمتين اللَّتَيْنِ هما من اكثر الْأُمَم وأشدها بَأْسا يَفْعَلُونَهُ وَلَا يتقونه مَعَ قوتهم وشدتهم فَأمْسك عَن النهى عَنهُ فَلَا تعَارض إِذا بَين الْحَدِيثين وَلَا نَاسخ مِنْهُمَا وَلَا مَنْسُوخ وَالله اعْلَم بِمُرَاد رَسُوله

فصل وَيُشبه هَذَا قَوْله للَّذي قَالَ لَهُ إِن لي أمة وَأَنا أكره

أَن تحبل وَإِنِّي أعزل عَنْهَا فَقَالَ سيأتيها مَا قدر لَهَا فَلَيْسَ بَين هَذِه الْأَحَادِيث قَوْله الْأَحَادِيث تعَارض فَإِنَّهُ لم يقل أَن الْوَلَد يخلق من غير مَاء الواطىء بل أخبر أَنه سيأتيها مَا قدر لَهَا وَلَو عزل فَأَنَّهُ إِذا قدر خلق الْوَلَد قدر سبق المَاء والواطيء لَا يشْعر بل يخرج مِنْهُ مَاء يمازج مَاء الْمَرْأَة لَا يشْعر بِهِ يكون سَببا فِي خلق الْوَلَد وَلِهَذَا قَالَ لَيْسَ من كل المَاء يكون الْوَلَد فَلَو خرج مِنْهُ نُطْفَة لَا يحس بهَا لجعلها الله مَادَّة للْوَلَد

قلت مَادَّة الْوَلَد لَيست مَقْصُورَة على وُقُوع المَاء بحملته فِي الرَّحِيم بل إِذا قدر الله خلق الْوَلَد من المَاء فَلَو وضع على صَخْرَة لخلق مِنْهُ الْوَلَد كَيفَ وَالَّذِي يعْزل فِي الْغَالِب إِنَّمَا يلقى مَاءَهُ قَرِيبا من الْفرج وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون غَالِبا عِنْدَمَا يحس بالإنزال وَكَثِيرًا مَا ينزل بعض المَاء وَلَا يشْعر بِهِ فَينزل خَارج الْفرج وَلَا شُعُور لَهُ بِمَا ينزل فِي الْفرج وَلَا بِمَا خالط مَاء الْمَرْأَة مِنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ سَبَب خلق الْوَلَد مَقْصُورا على الْإِنْزَال التَّام فِي الْفرج وَلَقَد حَدثنِي غير وَاحِد مِمَّن أَثِق بِهِ أَن امْرَأَته حملت مَعَ عَزله عَنْهَا لرضاع وَغَيره وَرَأَيْت بعض أَوْلَادهم ضَعِيفا ضئيلا فصلوات الله وَسَلَامه على من يصدق كَلَامه بعضه بَعْضًا وَيشْهد بعضه لبَعض فالاختلاف والإشكال والاشتباه إِنَّمَا هُوَ فِي الإفهام إِلَّا فِيمَا خرج من بَين شَفَتَيْه من الْكَلَام وَالْوَاجِب على كل مُؤمن أَن يكل مَا أشكل عَلَيْهِ إِلَّا أصدق قَائِل وَيعلم أَن فَوق كل ذِي علم عليم وَأَنه لَو اعْترض على ذِي صناعَة أَو علم من الْعُلُوم الَّتِي استنبطتها معاول الأفكار وَلم يحط علما بِتِلْكَ الصِّنَاعَة وَالْعلم لَا ندرى على نَفسه وأضحك صَاحب تِلْكَ الصِّنَاعَة وَالْعلم على عقله وَالنَّبِيّ يذكر الْمُقْتَضى فِي مَوضِع وَالْمَانِع فِي مَوضِع آخر وَيثبت الشَّيْء وينفي مثله فِي الصُّورَة وَعَكسه فِي الْحَقِيقَة وَلَا يُحِيط أَكثر النَّاس بِمَجْمُوع نصوصه علما وَيسمع النَّص وَلَا يسمع شَرطه وَلَا مَوَانِع مُقْتَضَاهُ وَلَا تَخْصِيصه وَلَا ينتبه للْفرق بَين مَا أثْبته ونفاه فينشأ من ذَلِك فِي حَقه من الاشكالات مَا ينشأ وينضاف هَذَا إِلَى عدم معرفَة الْخَاص بخطابه ومجارى كَلَامه وينضاف إِلَى ذَلِك تَنْزِيل كَلَامه على الاصطلاحات الَّتِي أحدثها أَرْبَاب الْعُلُوم من الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء وَعلم أَحْوَال الْقُلُوب وَغَيرهم فَإِن لكل من هَؤُلَاءِ الاصطلاحات حَادِثَة فِي مخاطباتهم وتصانيفهم فَيَجِيء من قد ألف تِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>