ثمَّ تَأمل كَيفَ اقْتَضَت الْحِكْمَة الالهية موافات اصناف الْفَوَاكِه وَالثِّمَار للنَّاس بِحَسب الْوَقْت المشاكل لَهَا الْمُقْتَضى لَهَا فتوافيهم كموافاة المَاء للظمآن فتتلقاها الطبيعة بانشراح واشتياق منتظرة لقدومها كانتظار الْغَائِب للْغَائِب فَلَو كَانَ نَبَات الصَّيف انما يوافي فِي الشتَاء لصادف من النَّاس كَرَاهِيَة واستثقالا بوروده مَعَ مَا كَانَ فِيهِ من الْمضرَّة للابدان والاذى لَهَا وَكَذَلِكَ لَو وافى مَا فِي ربيعها فِي الخريف اَوْ مَا فِي خريفها فِي الرّبيع لم يَقع من النُّفُوس ذَلِك الْموقع وَلَا استطابته واستلذته ذَلِك الالتذاذ وَلِهَذَا تَجِد الْمُتَأَخر مِنْهَا عَن وقته مملولا محلول الطّعْم وَلَا يظنّ ان هَذَا لجَرَيَان الْعَادة الْمُجَرَّدَة بذلك فَإِن الْعَادة إِنَّمَا جرت بِهِ لانه وفْق الْحِكْمَة والمصلحة الَّتِي لَا يخل بهَا الْحَكِيم الْخَبِير
فصل ثمَّ تَأمل هَذِه النَّخْلَة الَّتِي هِيَ احدى آيَات الله تَجِد فِيهَا من
الايات والعجائب مَا يبهرك فَإِنَّهُ لما قدر ان يكون فِيهِ اناث تحْتَاج الى اللقَاح جعلت فِيهَا ذُكُور تلقحها بِمَنْزِلَة الْحَيَوَان واناثه وَلذَلِك اشْتَدَّ شبهها من بَين سَائِر الاشجار بالانسان خُصُوصا بِالْمُؤمنِ كَمَا مثله النَّبِي وَذَلِكَ من وُجُوه كَثِيرَة احدها ثبات اصلها فِي الارض واستقراره فِيهَا وَلَيْسَت بِمَنْزِلَة الشَّجَرَة الَّتِي اجتثت من فَوق الارض مَالهَا من قَرَار الثَّانِي طيب ثَمَرَتهَا وحلاوتها وَعُمُوم الْمَنْفَعَة بهَا كَذَلِك الْمُؤمن طيب الْكَلَام طيب الْعَمَل فِيهِ الْمَنْفَعَة لنَفسِهِ وَلغيره الثَّالِث دوَام لباسها وَزينتهَا فَلَا يسْقط عَنْهَا صيفا وَلَا شتاء كَذَلِك الْمُؤمن لَا يَزُول عَنهُ لِبَاس التَّقْوَى وَزينتهَا حَتَّى يوافي ربه تَعَالَى الرَّابِع سهولة تنَاول ثَمَرَتهَا وتيسره اما قصيرها فَلَا يحوج المتناول ان يرقاها واما باسقها فصعوده سهل بِالنِّسْبَةِ الى صعودالشجر الطوَال وَغَيرهَا فتراها كَأَنَّهَا قد هيئت مِنْهَا المراقي والدرج الى اعلاها وَكَذَلِكَ الْمُؤمن خَيره سهل قريب لمن رام تنَاوله لَا بالغر وَلَا باللئيم الْخَامِس ان ثَمَرَتهَا من انفع ثمار الْعَالم فَإِنَّهُ يُؤْكَل رطبه فَاكِهَة وحلاوة ويابسه يكون قوتا وادما وَفَاكِهَة ويتخذ مِنْهُ الْخلّ والناطف والحلوى وَيدخل فِي الادوية والاشربة وَعُمُوم الْمَنْفَعَة بِهِ وبالعنب فَوق كل الثِّمَار وَقد اخْتلف النَّاس فِي ايهما انفع وافضل وصنف الجاحظ فِي المحاكمة بَينهمَا مجلدا فَأطَال فِيهَا الْحجَّاج والتفضيل من الْجَانِبَيْنِ وَفصل النزاع فِي ذَلِك ان النّخل فِي معدنه وَمحل سُلْطَانه افضل من الْعِنَب وأعم نفعا واجدى على اهله كالمدينة والحجاز وَالْعراق وَالْعِنَب فِي معدنه وَمحل سُلْطَانه افضل وأعم نفعا واجدى على أَهله كالشام وَالْجِبَال والمواضع الْبَارِدَة الَّتِي لَا تقبل النخيل وَحَضَرت مرّة فِي مجْلِس بِمَكَّة فِيهِ من أكَابِر الْبَلَد فجرت هَذِه المسئلة وَأخذ بعض الْجَمَاعَة الْحَاضِرين يطنب فِي تَفْضِيل النّخل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute