للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ الرُّسُل واذا نظر الى امْرَهْ وَمَا تضمنه من الحكم الباهرة ازْدَادَ ايمانا ويقينا وتسليما لاكمن حجب بالصنعة عَن الصَّانِع وبالكواكب عَن مكوكبها فَعمى بَصَره وَغلظ عَن الله حجابه وَلَو اعطى علمه حَقه لَكَانَ من اقوى النَّاس إِيمَانًا لانه اطلع من حِكْمَة الله وباهر آيَاته وعجائب صَنعته الدَّالَّة عَلَيْهِ وعَلى علمه وَقدرته وحكمته على مَا خَفِي عَن غَيره وَلَكِن من حِكْمَة الله ايضا ان سلب كثيرا من عقول هَؤُلَاءِ خاصيتها وحجبها عَن مَعْرفَته واوقفها عِنْد ظَاهر من الْعلم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وهم عَن الاخرة هم غافلون لدناءتها وخستها وحقارتها وَعدم اهليتها لمعرفته وَمَعْرِفَة اسمائه وَصِفَاته واسرار دينه وشرعه وَالْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم وَهَذَا بَاب لَا يطلع الْخلق مِنْهُ على مَاله نِسْبَة الى الخافي عَنْهُم مِنْهُ ابدا بل علم الاولين والاخرين مِنْهُ كنقرة العصفور من الْبَحْر وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ ذَلِك بِمُوجب للاعراض عَنهُ والياس مِنْهُ بل يسْتَدلّ الْعَاقِل بِمَا ظهر لَهُ مِنْهُ على مَا وَرَاءه

فصل ثمَّ تَأمل اولا ذَوَات الاربع من الْحَيَوَان كَيفَ ترَاهَا تتبع امهاتها

مُسْتَقلَّة بأنفسها فلاتحتاج الى الْحمل والتربية كَمَا يحْتَاج اليه اولاد الانس فَمن اجل انه لَيْسَ عِنْد امهاتها مَا عِنْد امهات الْبشر من التربية والملاطفة والرفق والالات الْمُتَّصِلَة والمنفصلة اعطاها اللَّطِيف الْخَبِير النهوض والاستقلال بانفسها على قرب الْعَهْد بِالْولادَةِ وَلذَلِك ترى افراخ كثير من الطير كالدجاج والدراج والفتخ يدرج ويلقط حِين يخرج من الْبَيْضَة وَمَا كَانَ مِنْهَا ضَعِيف النهوض كفراخ الْحمام واليمام اعطى سُبْحَانَهُ امهاتها من فَضله الْعَطف والشفقة والحنان مَا تمج بِهِ الطّعْم فِي أَفْوَاه الْفِرَاخ من حواصلها فتخبأه فِي اعز مَكَان فِيهَا ثمَّ تسوقه من فِيهَا الى افواه الْفِرَاخ وَلَا تزَال بهَا كَذَلِك حَتَّى ي ينْهض الفرخ ويستقل بِنَفسِهِ وَذَلِكَ كُله من حظها وَقسمهَا الَّذِي وصل اليها من الرَّحْمَة الْوَاحِدَة من الْمِائَة فَإِذا اسْتَقل بِنَفسِهِ وامكنه الطيران لم يزل بِهِ الابوان يعالجانه اتم معالجة والطفها حَتَّى يطير من وَكره ويسترزق لنَفسِهِ وياكل من حَيْثُ يأكلان وكأنهما لم يعرفاه وَلَا عرفهما قطّ بل يطردانه عَن الوكر وَلَا يدعانه وأقواتهما وَبَينهمَا بل يَقُولَانِ لَهُ بِلِسَان يفهمهُ اتخذ لَك وكرا وقوتا فَلَا وكر لَك عندنَا وَلَا قوت فسل الْمُعَطل اهذا كُله عَن اهمال وَمن الَّذِي الهمها ذَلِك وَمن الَّذِي عطفها على الْفِرَاخ وَهِي صغَار احوج مَا كَانَت اليها ثمَّ سلب ذَلِك عَنْهَا إِذْ استغنت الْفِرَاخ رَحْمَة بالامهات تسْعَى فِي مصالحها إِذْ لَو دَامَ لَهَا ذَلِك لَا ضربهَا وشغلها عَن معاشها لَا سِيمَا مَعَ كَثْرَة مَا يحْتَاج اليه اولادها من الْغذَاء فَوضع فِيهَا الرَّحْمَة والايثار

<<  <  ج: ص:  >  >>