للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبَّاس بن تَيْمِية قدس الله روحه عَن حمَار نزا على فرس فأحبلها فَهَل يكون لبن الْفرس حَلَالا اَوْ حَرَامًا فَأجَاب بِأَنَّهُ حَلَال وَلَا حكم للفحل فِي اللَّبن فِي هَذَا الْموضع بِخِلَاف الاناسي لَان لبن الْفرس حَادث من الْعلف فَهُوَ تَابع للحمها وَلم يسر وطيء الْفَحْل إِلَى هَذَا اللَّبن فَإِنَّهُ لَا حُرْمَة هُنَاكَ تَنْتَشِر بِخِلَاف لبن الْفَحْل فِي الاناسي فَإِنَّهُ تَنْتَشِر بِهِ حُرْمَة الرَّضَاع وَلَا حُرْمَة هُنَا تَنْتَشِر من جِهَة الْفَحْل لَا الى الْوَلَد خَاصَّة فَإِنَّهُ يتكون مِنْهُ وَمن الام فغلب عَلَيْهِ التَّحْرِيم وَأما اللَّبن فَلم يتكون بِوَطْئِهِ وَإِنَّمَا تكون من الْعلف فَلم يكن حَرَامًا هَذَا بسط كَلَامه وَتَقْرِيره وَالْمَقْصُود ابطال زعم ان هَذِه الْحَيَوَانَات الْمُخْتَلفَة يلقح بَعْضهَا بَعْضًا عِنْد الْمَوَارِد فتتكون الزرافة وَإنَّهُ كَاذِب عَلَيْهَا وعَلى الابداع وَالَّذِي يدل على كذبه انه لَيْسَ الْخَارِج من بَين مَا ذكرنَا من الْفرس وَالْحمار وَالذِّئْب والضبع والضأن والمعز عُضْو من كل وَاحِد من ابيه وَأمه كَمَا يكون للزرافة عُضْو من الْفرس وعضو من الْجمل بل يكون كالمتوسط بَينهمَا الممتزج مِنْهُمَا كَمَا نشاهده فِي الْبَغْل فَإنَّك ترى راسه وَأُذُنَيْهِ وكفله وحوافره وسطا بَين اعضاء ابيه وامه مُشْتَقَّة مِنْهُمَا حَتَّى تَجِد سجيحه كالممتزج من صَهِيل الْفرس ونهيق الْحمار فَهَذَا يدل على ان الزرافة لَيست بنتاج آبَاء مُخْتَلفَة كَمَا زعم هَذَا الزاعم بل من خلق عَجِيب وَوضع بديع من خلق الله الَّذِي أبدعه آيَة دلَالَة على قدرته وحكمته الَّتِي لَا يعجزها شَيْء ليرى عباده انه خَالق اصناف الْحَيَوَان كلهَا كَمَا يَشَاء وَفِي أَي لون شَاءَ فَمِنْهَا الْمُتَشَابه الْخلقَة المتناسب الاعضاء وَمِنْهَا الْمُخْتَلف التَّرْكِيب والشكل وَالصُّورَة كَمَا يرى عباده قدرته التَّامَّة فِي خلقه لنَوْع الانسان على الاقسام الاربعة الدَّالَّة على انه مَخْلُوق بقدرته ومشيئته تَابع لَهَا فَمِنْهُ مَا خلق من غير اب وَلَا أم وَهُوَ أَبُو النَّوْع الانساني وَمِنْه مَا خلق من ذكر بِلَا انثى وَهِي امهم الَّتِي خلقت من ضلع آدم وَمِنْه مَا خلق من انثى بِلَا ذكر وَهُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَمِنْه مَا خلق من ذكر وانثى وَهُوَ سَائِر النَّوْع الانساني فَيرى عباده آيَاته ويتعرف اليهم بآلائه وَقدرته وَأَنه إِذا اراد شَيْئا ان يَقُول لَهُ كن فَيكون واما طول عنق الزرافة وَمَا لَهَا فِيهِ من الْمصلحَة فَلِأَن منشأها ومرعاها كَمَا ذكر المعتنون بِحَالِهَا ومساكنها فِي غِيَاض ذَوَات اشجار شاهقة ذَاهِبَة طولا فأعينت بطول الْعُنُق لتتناول اطراف الشّجر الَّذِي هُنَاكَ وثمارها وَهَذَا مَا وصلت اليه معرفتهم وَحِكْمَة اللَّطِيف الْخَبِير فَوق ذَلِك واجل مِنْهُ

فصل ثمَّ تَأمل هَذِه النملة الضعيفة وَمَا اعطيته من الفطنة اَوْ لحيلة فِي

جمع الْقُوت وادخاره وَحفظه وَدفع الافة عَنهُ فَإنَّك ترى فِي ذَلِك عبرا وآيات فترى جمَاعَة النَّمْل إِذا أَرَادَت إِحْرَاز

<<  <  ج: ص:  >  >>