وضروب الْمحَال وفنون الوساوس والهوى والهوس والخبط وهم يحسبون انهم على شَيْء إِلَّا انهم هم الْكَاذِبُونَ فَالْحَمْد لله الَّذِي من على الْمُؤمنِينَ {إِذْ بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة وَإِن كَانُوا من قبل لفي ضلال مُبين}
فصل وَمن حكمته سُبْحَانَهُ مَا مَنعهم من الْعلم علم السَّاعَة وَمَعْرِفَة آجالهم
وَفِي ذَلِك من الْحِكْمَة الْبَالِغَة مَالا يحْتَاج الى نظر فَلَو عرف الانسان مِقْدَار عمره فَإِن كَانَ قصير الْعُمر لميتهنأ بالعيش وَكَيف يتهنأ بِهِ وَهُوَ يترقب الْمَوْت فِي ذَلِك الْوَقْت فلولا طول الامل لخربت الدُّنْيَا وأنما عمارتها بالامال وَإِن كَانَ طَوِيل الْعُمر وَقد تحقق ذَلِك فَهُوَ واثق بِالْبَقَاءِ فَلَا يُبَالِي بالانهماك فِي الشَّهَوَات والمعاصي وأنواع الْفساد وَيَقُول إِذا قرب الْوَقْت احدثت تَوْبَة وَهَذَا مَذْهَب لَا يرتضيه الله تَعَالَى عز وَجل من عباده وَلَا يقبله مِنْهُم وَلَا تصلح عَلَيْهِ احوال الْعَالم وَلَا يصلح الْعَالم إِلَّا على هَذَا الَّذِي اقتضته حكمته وَسبق فِي علمه فَلَو ان عبدا من عبيدك عمل على ان يستحضك اعواما ثمَّ يرضيك سَاعَة وَاحِدَة إِذا تَيَقّن انه صائر اليك لم تقبل مِنْهُ وَلم يفز لديك بِمَا يفوز بِهِ من همه رضاك وَكَذَا سنة الله عز وَجل ان العَبْد إِذا عاين الِانْتِقَال الى الله تَعَالَى لم يَنْفَعهُ تَوْبَة وَلَا اقلاع قَالَ تَعَالَى {وَلَيْسَت التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات حَتَّى إِذا حضر أحدهم الْمَوْت قَالَ إِنِّي تبت الْآن} وَقَوله فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا قَالُوا آمنا بِاللَّه وَحده وكفرنا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكين فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا باسنا سنة الله الَّتِي خلت فِي عباده وَالله تَعَالَى إِنَّمَا يغْفر للْعَبد إِذا كَانَ وُقُوع الذَّنب مِنْهُ على وَجه غَلَبَة الشَّهْوَة وَقُوَّة الطبيعة فيواقع الذَّنب مَعَ كَرَاهَته لَهُ من غير إِصْرَار فِي نَفسه فَهَذَا ترجى لَهُ مغْفرَة الله وصفحه وعفوه لعلمه تَعَالَى بضفعه وَغَلَبَة شَهْوَته لَهُ وَأَنه يرى كل وَقت مَالا صَبر لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِذا وَاقع الذَّنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لرَبه خَائِف مختلج فِي صَدره شَهْوَة النَّفس الذَّنب وَكَرَاهَة الايمان لَهُ فَهُوَ يُجيب دَاعِي النَّفس تاره وداعي الايمان تارات فاما من بنى امْرَهْ على ان لَا يقف عَن ذَنْب وَلَا يقدم خوفًا وَلَا يدع لله شَهْوَة وَهُوَ فَرح مسرور يضْحك ظهرا لبطن إِذْ ظفر بالذنب فَهَذَا الَّذِي يخَاف عَلَيْهِ ان يُحَال بَينه وَبَين التَّوْبَة وَلَا يوفق لَهَا فَإِنَّهُ من مَعَاصيه وقبائحه على نقد عَاجل يتقاضاه سلفا وتعجيلا وَمن تَوْبَته وإيابه ورجوعه إِلَى الله على دين مُؤَجل الى انْقِضَاء الاجل وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الضَّرْب من النَّاس يُحَال بَينهم وَبَين التَّوْبَة غَالِبا لَان النُّزُوع عَن اللَّذَّات والشهوات الى مُخَالفَة الطَّبْع وَالنَّفس والاستمرار على ذَلِك شَدِيد على النَّفس صَعب عَلَيْهَا اثقل من الْجبَال وَلَا سِيمَا إِذا انضاف إِلَى ذَلِك ضعف البصيرة وَقلة النَّصِيب من الايمان فنفسه لَا تطوع لَهُ ان يَبِيع نَقْدا بنسيئة وَلَا عَاجلا بآجل كَمَا قَالَ بعض هَؤُلَاءِ وَقد سُئِلَ ايما احب اليك دِرْهَم الْيَوْم اَوْ دِينَار غَدا فَقَالَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَلَكِن ربع دِرْهَم من اول امس فَحَرَام على هَؤُلَاءِ ان يوفقوا للتَّوْبَة إِلَّا ان يَشَاء الله فَإِذا بلغ