انا الا من ربيعَة اَوْ مُضر وَلَيْسَت نفائس البضائع الا لمن امتطى غارب الاغتراب وطوف فِي الافاق حَتَّى رضى من الْغَنِيمَة بالاياب فاستلان مَا استوعره البطالون وَأنس بِمَا استوحش مِنْهُ الجاهلون
فصل فاعد النّظر فِي نَفسك وَحِكْمَة الخلاق الْعَلِيم فِي خلقك وَانْظُر الى
الْحَواس الَّتِي مِنْهَا تشرف على الاشياء كَيفَ جعلهَا الله فِي الراس كالمصابيح فَوق المنارة لتتمكن بهَا من مطالعة الاشياء وَلم تجْعَل فِي الاعضاء الَّتِي تمتهن كاليدين وَالرّجلَيْنِ فتتعرض للافات بِمُبَاشَرَة الاعمال والحركات ولاجعلها فِي الاعضاء الَّتِي فِي وسط الْبدن كالبطن وَالظّهْر فيعسر عَلَيْك التلفت والاطلاع على الاشياء فَلَمَّا لم يكن لَهَا فِي شَيْء من هَذِه الاعضاء مَوضِع كَانَ الراس اليق الْمَوَاضِع بهَا وأجملها فالراس صومعة الْحَواس ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي ان جعل الْحَواس خمْسا فِي مُقَابلَة المحسوسات الْخمس ليلقى خمْسا بِخمْس كي لَا يبْقى شَيْء من المحسوسات لَا يَنَالهُ بحاسة فَجعل الْبَصَر فِي مُقَابلَة المبصرات والسمع فِي مُقَابلَة الاصوات والشم فِي مُقَابلَة أَنْوَاع الروائح المختلفات والذوق فِي مُقَابلَة الكيفيات المذوقات واللمس فِي مُقَابلَة الملموسات فَأَي محسوس بَقِي بِلَا حاسة وَلَو كَانَ فِي المحسوسات شَيْء غير هَذِه لاعطاك لَهُ حاسة سادسة وَلما كَانَ مَا عَداهَا إِنَّمَا يدْرك بالباطن اعطاك الْحَواس الْبَاطِنَة وَهِي هَذِه الاخماس الَّتِي جرت عَلَيْهَا السّنة الْعَامَّة والخاصة حَيْثُ يَقُولُونَ فِي المفكر المتأمل ضرب اخماسه فِي أسداسه فأخماسه حواسه الْخمس واسداسه جهانه السِّت وَأَرَادُوا بذلك انه جذبه الْقلب وَسَار بِهِ فِي الاقطار والجهات حَتَّى قلب حواسه الْخمس فِي جهاته أَلَسْت وضربها فِيهَا لشدَّة فكره
فصل ثمَّ اعينت هَذِه الْحَواس بمخلوقات اخر مُنْفَصِلَة عَنْهَا تكون وَاسِطَة فِي
احساسها فاعينت حاسة الْبَصَر بالضياء والشعاع فلولاه لم ينْتَفع النَّاظر ببصره فَلَو منع الضياء والشعاع لم تَنْفَع الْعين شَيْئا واعينت حاسة السّمع بالهواء يحمل الاصوات فِي الجو ثمَّ يلقيها الى الاذن فتحويه ثمَّ تقلبه الى الْقُوَّة السامعة وَلَوْلَا الْهَوَاء لم يسمع الرجل شَيْئا واعينت حاسة الشم بالنسيم اللَّطِيف يحمل الرَّائِحَة ثمَّ يُؤَدِّيهَا اليها فتدركها فلولا هُوَ لم تشم شَيْئا واعينت حاسة الذَّوْق بالريق المتحلل فِي الْفَم تدْرك الْقُوَّة الزائقة بِهِ طعوم الاشياء وَلِهَذَا لم يكن لَهُ طعم لَا حُلْو وَلَا حامض وَلَا مالح وَلَا حريف لانه كَانَ يحِيل تِلْكَ الطعوم الى طعمه وَلَا يحصل بِهِ مَقْصُوده واعينت حاسة اللَّمْس بِقُوَّة جعلهَا الله فِيهَا تدْرك بهَا الملموسات وَلم تحتج الى شَيْء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute