فصل وَمِنْهَا ان التَّوْبَة توجب للتائب آثارا عَجِيبَة من المقامات الَّتِي لَا
تحصل بِدُونِهَا فتوجب لَهُ من الْمحبَّة والرقة واللطف وشكر الله وحمده وَالرِّضَا عَنهُ عبوديات أخر فَإِنَّهُ إِذا تَابَ الى الله تقبل الله تَوْبَته فرتب لَهُ على ذَلِك الْقبُول انواعا من النعم لَا يَهْتَدِي العَبْد لتفاصيلها بل يزَال يتقلب فِي بركتها وآثارها مالم ينقضها ويفسدها
فصل وَمِنْهَا ان الله سُبْحَانَهُ يُحِبهُ ويفرح بتوبته اعظم فَرح وَقد تقرر ان
الْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَلَا ينسى الفرحة الَّتِي يظفر بهَا عِنْد التَّوْبَة النصوح وتامل كَيفَ تجدالقلب يرقص فَرحا وَأَنت لَا تَدْرِي بِسَبَب ذَلِك الْفَرح مَا هُوَ وَهَذَا امْر لَا يحس بِهِ الا حييّ الْقلب وَأما ميت الْقلب فَإِنَّمَا يجد الْفَرح عِنْد ظفره بالذنب وَلَا يعرف فَرحا غَيره فوازن إِذا بَين هذَيْن الفرحين وَانْظُر مَا يعقبه فَرح الظفر بالذنب من انواع الاحزان والهموم والغموم والمصائب فَمن يَشْتَرِي فرحة سَاعَة بغم الابدو انْظُر مَا يعقبه فَرح الظفر بِالطَّاعَةِ وَالتَّوْبَة النصوح من الانشراح الدَّائِم وَالنَّعِيم وَطيب الْعَيْش ووازن بَين هَذَا وَهَذَا ثمَّ اختر مَا يَلِيق بك ويبسابك وكل يعْمل على شاكلته وكل امْرِئ يصبو الى مَا يُنَاسِبه
فصل وَمِنْهَا انه إِذا شهد ذنُوبه ومعاصيه وتفريطه فِي حق ربه استكثر
الْقَلِيل من نعم ربه عَلَيْهِ وَلَا قَلِيل مِنْهُ لعلمه ان الْوَاصِل اليه فِيهَا كثير على مسيء مثله واستقل الْكثير من عمله لعلمه بَان الَّذِي يَنْبَغِي ان يغسل بِهِ نَجَاسَته واوضاره واوساخه اضعاف مَا اتي بِهِ فَهُوَ دَائِما مُسْتَقل لعلمه كَائِنا مَا كَانَ مستكثر لنعمة الله عَلَيْهِ وَإِن دقَّتْ وقدتقدم التَّنْبِيه على هَذَا الْوَجْه وَهُوَ من الطف الْوُجُوه فَعَلَيْك بمراعاته فَلهُ تَأْثِير عَجِيب وَلَو لم يكن فِي فوائدالذنب إِلَّا هَذَا لكفى بِهِ فَأَيْنَ حَال هَذَا من حَال من لَا يرى لله عَلَيْهِ نعْمَة إِلَّا وَيرى انه كَانَ يَنْبَغِي ان يُعْطي مَا هُوَ فَوْقهَا وَأجل مِنْهَا وانه لايقدر ان يتَكَلَّم وَكَيف يعاند الْقدر وَهُوَ مظلوم مَعَ الرب لَا ينصفه وَلَا يُعْطِيهِ مرتبته بل هُوَ مغرى بمعاندته لفضله وكماله وانه كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ان ينَال الثريا ويطأ بأخمصه هُنَالك وَلكنه مظلوم مبخوس الْحَظ وَهَذَا الضَّرْب من ابغض الْخلق الى الله وأشدهم مقتا عِنْده وَحِكْمَة الله تَقْتَضِي انهم لَا يزالون فِي سفال فهم بَين عتب على الْخَالِق وشكوى لَهُ وذل لخلقه وحاجة اليهم وخدمة لَهُم اشغل النَّاس قلوبا بارباب الولايات والمناصب ينتظرون مَا يقذفون بِهِ اليهم من عظامهم وغسالة ايديهم واوانيهم وأفرغ النَّاس قلوبا عَن مُعَاملَة الله والانقطاع اليه والتلذذ بمناجاته والطمأنينة بِذكرِهِ وقرة الْعين بخشيته والرضاء بِهِ فعياذا بِاللَّه من زَوَال نعْمَته وتحول عافيته