للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ستنسل وَيَقَع الْقِتَال وَلِهَذَا أخْبرهُم أَنه رأى فِي مَنَامه أَنه يقْرَأ النَّحْل وَعلم أَن ذَلِك شَهَادَة من قتل من أَصْحَابه

الثَّالِث أَن الْوَحْي الَّذِي كَانَ يعرف بِهِ رَسُول الله الْحَوَادِث والنوازل كَانَ مغنيا لَهُ عَن الإشارات والعلامات والامارات وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ غَيره وَأما من يَأْتِيهِ خبر السَّمَاء صباحا وَمَسَاء فإخباره بقوله أرى السيوف الْيَوْم ستنسل لم يكن عَن تِلْكَ الأمارة وَإِنَّمَا وَقع الْإِخْبَار بِهِ عقيبها وَالشَّيْء بالشَّيْء يذكر

فصل وَأما مَا احْتج بِهِ وَنسبه إِلَى قَوْله وقدت الْحَرْب لما رأى

وَاقد بن عبد الله الحضري والحضرمي حضرت الْحَرْب فكذب عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك أعداؤه من الْيَهُود فتطيروا بذلك وتفاءلوا بِهِ فَكَانَت الطَّيرَة عَلَيْهِم ووقدت الْحَرْب عَلَيْهِم

فصل وَأما استقباله الجبلين فِي طَرِيقه وهما مسلح ومخرىء وَترك

الْمُرُور بَينهمَا وعدله ذَات الْيَمين فَلَيْسَ هَذَا أَيْضا من الطَّيرَة وَإِنَّمَا هُوَ من الْعُدُول عَمَّا يُؤْذى النُّفُوس ويشوش الْقُلُوب إِلَى مَا هُوَ بِخِلَافِهِ كالعدول عَن الِاسْم الْقَبِيح وتغييره بِأَحْسَن مِنْهُ وَقد تقدم تَقْرِير ذَلِك بِمَا فِيهِ كِفَايَة وَأَيْضًا فَإِن الْأَمَاكِن فِيهَا الميمون الْمُبَارك والمشؤم المذموم فَاطلع رَسُول الله على شُؤْم ذَلِك الْمَكَان وَأَنه مَكَان سوء فجاوزه إِلَى غَيره كَمَا جَاوز الْوَادي الَّذِي نَامُوا فِيهِ عَن الصُّبْح إِلَى غَيره وَقَالَ هَذَا مَكَان حَضَرنَا فِيهِ الشَّيْطَان والشيطان يحب الْأَمْكِنَة المذمومة وينتابها وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَ الْمُرُور بَين ذَيْنك الجبلين قد يشوش الْقلب على أَنا نقُول فِي ذَلِك قولا كليا نبين بِهِ سر هَذَا الْبَاب بحول الله وعونه وتوفيقه

أعلم أَن بَين الْأَسْمَاء ومسمياتها ارتباطا قدره الْعَزِيز الْقَادِر وألهمه نفوس الْعباد وَجعله فِي قُلُوبهم بِحَيْثُ لَا تَنْصَرِف عَنهُ وَلَيْسَ هَذَا الارتباط هُوَ ارتباط الْعلَّة بمعلولها وَلَا ارتباط الْمُقْتَضى الْمُوجب لمقتضاه وموجبة بل ارتباط تناسب وتشاكل اقتضته حِكْمَة الْحَكِيم فَقل أَن ترى اسْما قبيحا إِلَّا وَبَين مُسَمَّاهُ وَبَينه رابط من الْقبْح وَكَذَلِكَ إِذا تَأَمَّلت الِاسْم الثقيل الَّذِي تنفر عَنهُ الأسماع وتنبو عَنهُ الطباع فأنك تَجِد مُسَمَّاهُ يُقَارب أَو يلم أَن يُطَابق وَلِهَذَا من الْمَشْهُور على أَلْسِنَة النَّاس أَن الألقاب تنزل من السَّمَاء فَلَا تكَاد تَجِد الِاسْم الشنيع الْقَبِيح إِلَّا على مُسَمّى يُنَاسِبه وَفِي ذَلِك قَول الْقَائِل

وَقل أَن أَبْصرت عَيْنَاك ذَا لقب ... إِلَّا وَمَعْنَاهُ أَن فَكرت فِي لقبه

وَلِهَذَا كثيرا مَا تَجِد أَيْضا فِي أَسمَاء الْأَجْنَاس والواضع لَهُ عناية بمطابقة الْأَلْفَاظ للمعاني ومناسبتها لَهَا فَيجْعَل الْحُرُوف الهوائية الْخَفِيفَة لمسمى مشاكل لَهَا كالهواء والحروف الشَّدِيدَة

<<  <  ج: ص:  >  >>