للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأميت يعْنى أَنا أفعل كَمَا يفعل الله فَأَكُون رَبًّا مثله فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم فَأن كنت صَادِقا فافعل مثل فعله فِي طُلُوع الشَّمْس فَإِذا أطلعها من جِهَة فأطلعها انت من جِهَة أخري ثمَّ تَأمل مَا فِي ضمن هَذِه المناظرة من حسن الِاسْتِدْلَال بافعال الرب المشهودة المحسوسة الَّتِى تَسْتَلْزِم وجوده وَكَمَال قدرته ومشيئته وَعلمه ووحدانيته من الْإِحْيَاء والإماتة المشهودين الَّذين لَا يقدر عَلَيْهِمَا إِلَّا الله وَحده وإتيانه تَعَالَى بالشمس من الْمشرق لَا يقدر أحد سواهُ على ذَلِك وَهَذَا برهَان لَا يقبل الْمُعَارضَة بِوَجْه وَإِنَّمَا لَيْسَ عَدو الله وأوهم الْحَاضِرين أَنه قَادر من الْإِحْيَاء والإماتة على مَا هُوَ مماثل لمقدور الرب تَعَالَى فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم فَأن كَانَ الْأَمر كَمَا زعمت فأرني قدرتك على الْإِتْيَان بالشمس من الْمغرب لتَكون مماثله لقدرة الله على الْإِتْيَان بهَا من الْمشرق فَأَيْنَ الِانْتِقَال فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال والمناظرة بل هَذَا من أحسن مَا يكون من المناظرة وَالدَّلِيل الثَّانِي مكمل لِمَعْنى الدَّلِيل الأول ومبين لَهُ ومقرر لتضمن الدَّلِيلَيْنِ افعال الرب الدَّالَّة عَلَيْهِ وعَلى وحدانيته وانفراده بالربوبية والإلهية كَمَا لَا تقدر انت وَلَا غير الله على مثلهَا وَلما علم عَدو الله صِحَة ذَلِك وان من هَذَا شَأْنه على كل شَيْء قدير لَا يعجزه شَيْء وَلَا يستصعب عَلَيْهِ مُرَاد خَافَ أَن يَقُول لإِبْرَاهِيم فسل رَبك أَن يَأْتِي بهَا من مغْرِبهَا فيفعل ذَلِك فَيظْهر لأتباعه بطلَان دَعْوَاهُ وَكذبه وانه لَا يصلح للربوبية فبهت وامسك وَفِي هَذِه المناظرة نُكْتَة لَطِيفَة جدا وَهِي أَن شرك الْعَالم إِنَّمَا هُوَ مُسْند إِلَى عبَادَة الْكَوَاكِب والقبور ثمَّ صورت الْأَصْنَام على صورها كَمَا تقدم فتضمن الدليلان اللَّذَان اسْتدلَّ بهما إِبْرَاهِيم إبِْطَال إلهية تِلْكَ جملَة بِأَن الله وَحده هُوَ الَّذِي يحيي وَيُمِيت وَلَا يصلح الْحَيّ الَّذِي يَمُوت للإلهية لَا فِي حَال حَيَاته وَلَا بعد مَوته فَإِن لَهُ رَبًّا قَادِرًا قاهرا متصرفا فِيهِ إحْيَاء وإماتة وَمن كَانَ كَذَلِك فَكيف يكون إِلَهًا حَتَّى يتَّخذ الصَّنَم على صورته ويعبد من دونه وَكَذَلِكَ الْكَوَاكِب أظهرها وأكبرها للحس ٠

هَذِه الشَّمْس وَهِي مربوبة مُدبرَة مسخرة لَا تصرف لَهَا فِي نَفسهَا بِوَجْه مَا بل رَبهَا وخالقها سُبْحَانَهُ يَأْتِي بهَا من مشرقها فتنقاد لأَمره ومشيئته فَهِيَ مربوبة مسخرة مُدبرَة لَا أَله يعبد من دون الله ٠

فصل وَأما استدلاله بِأَن النَّبِي نهى عِنْد قَضَاء الْحَاجة عَن اسْتِقْبَال

الشَّمْس وَالْقَمَر واستدبارهما فَكَأَنَّهُ وَالله أعلم لما رأى بعض الْفُقَهَاء قد قَالُوا ذَلِك فِي كتبهمْ فِي آدَاب التخلى وَلَا تسْتَقْبل الشَّمْس وَالْقَمَر ظن أَنهم إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك لنهى النَّبِي عَنهُ فاحتج بِالْحَدِيثِ وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل فَإِن النَّبِي لم ينْقل عَنهُ ذَلِك فِي كلمة وَاحِدَة لَا بِإِسْنَاد صَحِيح وَلَا ضَعِيف وَلَا مُرْسل وَلَا مُتَّصِل وَلَيْسَ لهَذِهِ الْمَسْأَلَة أصل فِي الشَّرْع وَالَّذين ذكروها من الْفُقَهَاء مِنْهُم من قَالَ الْعلَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>