للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحبَّة فَتَبَارَكَ الله احسن الْخَالِقِينَ ثمَّ انه لف ذَلِك الْحبّ فِي تِلْكَ الرمانة بِتِلْكَ اللفائف ليضمه ويمسكه فَلَا يضطرب ولايتبدد ثمَّ غشى فَوق ذَلِك بالغشاء الصلب صونا لَهُ وحفظا وممسكا لَهُ باذن الله وَقدرته فَهَذَا قَلِيل من كثير من حِكْمَة هَذِه الثَّمَرَة الْوَاحِدَة ولايمكننا ولاغيرنا استقصاء ذَلِك وَلَو طَالَتْ الايام واتسع الْفِكر وَلَكِن هَذَا مُنَبّه على مَا وَرَاءه واللبيب يكْتَفى بِبَعْض ذَلِك وَأما من غلبت عَلَيْهِ الشقاوة وكأين من آيَة فِي السَّمَوَات والارض يَمرونَ عَلَيْهَا وهم عَنْهَا معرضون غافلون عَن مَوضِع الدّلَالَة فِيهَا

فصل ثمَّ تَأمل هَذَا الرّيع والنماء الَّذِي وَضعه الله فِي الزَّرْع حَتَّى صَارَت

الْحبَّة الْوَاحِدَة رُبمَا انبتت سَبْعمِائة حَبَّة وَلَو انبتت الْحبَّة حَبَّة وَاحِدَة مثلهَا لَا يكون فِي الْغلَّة متسع لما يرد فِي الارض من الْحبّ وَمَا يَكْفِي النَّاس ويقوت الزَّارِع الى إِدْرَاك زرعه فَصَارَ الزَّرْع بريع هَذَا الرّيع ليفي بِمَا يحْتَاج اليه للقوت والزراعة وَكَذَلِكَ ثمار الاشجار والنخيل وَكَذَلِكَ مَا يخرج مَعَ الاصل الْوَاحِد مِنْهَا من الصنوان ليَكُون لما يقطعهُ النَّاس ويستعلمونه فِي مآربهم خلفا فلاتبطل الْمَادَّة عَلَيْهِم وَلَا تنقص وَلَو ان صَاحب بلد من الْبِلَاد أَرَادَ عِمَارَته لاعطى اهله مَا يبذرونه فيهم وَمَا يقيتهم الى اسْتِوَاء الزَّرْع فاقتضت حِكْمَة اللَّطِيف الْخَبِير ان اخْرُج من الْحبَّة الْوَاحِدَة حبات عديدة لبقيت الْخَارِج النَّاس ويدخرون مِنْهُ مَا يزرعون

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي الْحُبُوب كالبر وَالشعِير وَنَحْوهمَا كَيفَ يخرج الْحبّ

مدرجا فِي قشور على رؤسها امثال الاسنة فَلَا يتَمَكَّن جند الطير من افسادها والعبث فِيهَا فَإِنَّهُ لَو صَادف الْحبّ بارزا لَا صوان عَلَيْهِ وَلَا وقاية تحول دونه لتمكن مِنْهُ كل التَّمَكُّن فأفسدوا عَابَ وعاث وأكب عَلَيْهِ أكلا مَا اسْتَطَاعَ وَعجز ارباب الزَّرْع عَن رده فَجعل اللَّطِيف الْخَبِير عَلَيْهِ هَذِه الوقايات لتصونه فينال الطير مِنْهُ مِقْدَار قوته وَيبقى اكثره للانسان فَإِنَّهُ اولى بِهِ لانه هُوَ الَّذِي كدح فِيهِ وشقى بِهِ وَكَانَ الَّذِي يحْتَاج اليه اضعاف حَاجَة الطير

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الباهرة فِي هَذِه الاشجار كَيفَ ترَاهَا فِي كل عَام

لَهَا حمل وَوضع فَهِيَ دَائِما فِي حمل وولادة فَإِذا اذن لَهَا رَبهَا فِي الْحمل احْتبست الْحَرَارَة الطبيعية فِي داخلها واختبأت فِيهَا ليَكُون فِيهَا حملهَا فِي الْوَقْت الْمُقدر لَهَا فَيكون ذَلِك الْوَقْت بِمَنْزِلَة وَقت الْعلُوق ومبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>