للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَذَاب وَتَأمل كم سخر للسحاب من ريح حَتَّى امطر فسخرت لَهُ المثيرة اولا فتثيره بَين السَّمَاء والارض ثمَّ سخرت لَهُ الحاملة الَّتِي تحمله على متنها كَالْجمَلِ الَّذِي يحمل الراوية ثمَّ سخرت لَهُ الْمُؤَلّفَة فتؤلف بَين كسفه وقطعه ثمَّ يجْتَمع بَعْضهَا الى بعض فَيصير طبقًا وَاحِدًا ثمَّ سخرت لَهُ اللاقحة بِمَنْزِلَة الذّكر الَّذِي يلقح الانثى فتلقحه بِالْمَاءِ ولولاها لَكَانَ جهاما لَا مَاء فِيهِ ثمَّ سخرت لَهُ المزجية الَّتِي تزجيه وتسوقه الى حَيْثُ أَمر فيفرغ مَاءَهُ هُنَالك ثمَّ سخرت لَهُ بعد اعصاره المفرقة الَّتِي تبثه وتفرقه فِي الجو فَلَا ينزل مجتمعا وَلَو نزل جملَة لأهْلك المساكن وَالْحَيَوَان والنبات بل تفرقه فتجعله قطرا وَكَذَلِكَ الرِّيَاح الَّتِي تلقح الشّجر والنبات ولولاها لكَانَتْ عقيما وَكَذَلِكَ الرِّيَاح الَّتِي تسير السفن ولولاها لوقفت على ظهر الْبَحْر وَمن مَنَافِعهَا انها تبرد المَاء وتضرم النَّار الَّتِي يُرَاد اضرامها وتجفف الاشياء الَّتِي يحْتَاج الى جفافها وَبِالْجُمْلَةِ فحياة مَا على الارض من نَبَات وحيوان بالرياح فَإِنَّهُ لَوْلَا تسخير الله لَهَا لِعِبَادِهِ لِذَوي النَّبَات وَمَات الْحَيَوَان وفسدت المطاعم وأنتن الْعَالم وَفَسَد الا ترى اذا ركدت الرِّيَاح كَيفَ يحدث الكرب وَالْغَم الَّذِي لَو دَامَ لأتلف النُّفُوس واسقم الْحَيَوَان وامرض الاصحاء وانهك المرضى وافسد الثِّمَار وعفن الزَّرْع واحدث الوباء فِي الجو فسبحان من جعل هبوب الرِّيَاح تَأتي بِرُوحِهِ وَرَحمته ولطفه وَنعمته كَمَا قَالَ النَّبِي فِي الرِّيَاح إِنَّهَا من روح الله تَأتي بِالرَّحْمَةِ وتنبه للطيفة فِي هَذَا الْهَوَاء وَهِي ان الصَّوْت اثر يحدث عِنْد اصطكاك الاجرام وَلَيْسَ نفس الاصطكاك كَمَا قَالَ ذَلِك من قَالَه وَلكنه مُوجب الاصطكاك وقرع الْجِسْم للجسم اَوْ قلعة عَنهُ فسببه قرع اَوْ قلع فَيحدث الصَّوْت فيحمله الْهَوَاء ويؤديه الى مَا مَعَ النَّاس فينتفعون بِهِ فِي حوائجهم ومعاملاتهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وتحدث الاصوات الْعَظِيمَة من حركاتهم فَلَو كَانَ اثر هَذِه الحركات والاصوات يبْقى فِي الْهَوَاء كَمَا يبْقى الْكتاب فِي القرطاس لامتلأ الْعَالم مِنْهُ ولعظم الضَّرَر بِهِ واشتدت مُؤْنَته وَاحْتَاجَ النَّاس الى محوه من الْهَوَاء والاستبدال بِهِ اعظم من حَاجتهم الى استبدال الْكتاب المملوء كِتَابَة فان مَا يلقى من الْكَلَام فِي الْهَوَاء اضعاف مَا يوضع فِي القرطاس فاقتضت حِكْمَة الْعَزِيز الْحَكِيم ان جعل هَذَا الْهَوَاء قرطاسا خفِيا يحمل الْكَلَام بِقدر مَا يبلغ الْحَاجة ثمَّ يمحي باذن ربه فَيَعُود جَدِيدا نقيا لَا شَيْء فِيهِ فَيحمل مَا حمل كل وَقت

فصل ثمَّ تَأمل خلق الارض على مَا هِيَ عَلَيْهِ حِين خلقهَا واقفة سَاكِنة

لتَكون مهادا ومستقرا للحيوان والنبات والامتعة ويتمكن الْحَيَوَان وَالنَّاس من السَّعْي عَلَيْهَا فِي مآربهم وَالْجُلُوس لراحاتهم وَالنَّوْم لهدوهم والتمكن من اعمالهم وَلَو كَانَ رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرهَا قرارا وَلَا هُدُوا وَلَا ثَبت لَهُم عَلَيْهَا بِنَاء وَلَا امكنهم عَلَيْهَا صناعَة

<<  <  ج: ص:  >  >>