للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من خَارج بِخِلَاف غَيرهَا من الْحَواس بل تدْرك الملموسات بِلَا وَاسِطَة بَينهَا وَبَينهَا لانها إِنَّمَا تدركها بالاجتماع وَالْمُلَامَسَة فَلم تحتج الى وَاسِطَة

فصل ثمَّ تَأمل حَال من عدم الْبَصَر وَمَا يَنَالهُ من الْخلَل فِي أُمُوره فَإِنَّهُ

لَا يعرف مَوضِع قدمه وَلَا يبصر مَا بَين يَدَيْهِ وَلَا يفرق بَين الالوان والمناظر الْحَسَنَة من القبيحة وَلَا يتَمَكَّن من استفادة علم من كتاب يقرأه ولايتهيأ لَهُ الِاعْتِبَار وَالنَّظَر فِي عجائب ملك الله هَذَا مَعَ انه لَا يشْعر بِكَثِير من مَصَالِحه ومضاره فَلَا يشْعر بحفرة يهوى فِيهَا وَلَا بحيوان يَقْصِدهُ كالسبع فيتحرز لَهُ وَلَا بعدو يهوى نَحوه ليَقْتُلهُ وَلَا يتَمَكَّن من هرب ان طلب بل هُوَ ملق السّلم لمن رامه باذى وَلَوْلَا حفظ خَاص من الله لَهُ قريب من حفظ الْوَلِيد وكلاءته لَكَانَ عطبه اقْربْ من سَلَامَته فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة لحم على وَضم وَلذَلِك جعل الله ثَوَابه إِذا صَبر واحتسب الْجنَّة وَمن كَمَال لطفه ان عكس نوربصره الى بصيرته فَهُوَ اقوى النَّاس بَصِيرَة وحدسا وَجمع عَلَيْهِ همه فقلبه مَجْمُوع عَلَيْهِ غير مشتت ليهنأ لَهُ الْعَيْش وتتم مصْلحَته وَلَا يظنّ انه مغموم حَزِين متاسف هَذَا حكم من ولد اعمى فَأَما من اصيب بِعَيْنيهِ بعدالبصر فَهُوَ بِمَنْزِلَة سَائِر اهل الْبلَاء المنتقلين من الْعَافِيَة الى البلية فالمحنة عَلَيْهِ شَدِيدَة لانه قد حيل بَينه وَبَين مَا الفه من الْمرَائِي والصور ووجوه الِانْتِفَاع ببصره فَهَذَا لَهُ حكم آخر وَكَذَلِكَ من عدم السّمع فَإِنَّهُ يفقد روح المخاطبة والمحاورة ويعدم لَذَّة المذاكرة ونغمة الاصوات الشجية وتعظم الْمُؤْنَة على النَّاس فِي خطابه ويتبرمون بِهِ وَلَا يسمع شَيْئا من اخبار النَّاس واحاديثهم فَهُوَ بَينهم شَاهد كغائب وَحي كميت وَقَرِيب كبعيد وَقد اخْتلف النظار فِي ايهما اقْربْ الى الْكَمَال واقل اختلالا لاموره الضَّرِير اَوْ الاطرش وَذكروا فِي ذَلِك وُجُوهًا وَهَذَا مَبْنِيّ على اصل آخر وَهُوَ أَي الصفتين اكمل صفة السّمع اَوْ صفة الْبَصَر وَقد ذكرنَا الْخلاف فيهمَا فِيمَا تقدم من هَذَا الْكتاب وَذكرنَا اقوال النَّاس وأدلتهم وَالتَّحْقِيق فِي ذَلِك فَأَي الصفتين كَانَت اكمل فالضرر بعدمها اقوى وَالَّذِي يَلِيق بِهَذَا الْموضع ان يُقَال عادم الْبَصَر اشدهما ضَرَرا وأسلمهما دينا واحمدهما عَاقِبَة وعادم السّمع اقلهما ضَرَرا فِي دُنْيَاهُ واجهلهما بِدِينِهِ وَاسَوْا عَاقِبَة فَإِنَّهُ إِذا عدم السّمع عدم المواعظ والنصائح وانسدت عَلَيْهِ ابواب الْعُلُوم النافعة وانفتحت لَهُ طرق الشَّهَوَات الَّتِي يُدْرِكهَا الْبَصَر وَلَا يَنَالهُ من الْعلم مَا يكفه عَنْهَا فضرره فِي دينه اكثر وضرر الاعمى فِي دُنْيَاهُ اكثر وَلِهَذَا لم يكن فِي الصَّحَابَة اطرش وَكَانَ فيهم جمَاعَة اضراء وَقل ان يبتلى الله اولياءه بالطرش ويبتلى كثيرا مِنْهُم بالعمى فَهَذَا فصل الْخطاب فِي هَذِه المسئلة فمضرة الطرش فِي الدّين ومضرة الْعَمى فِي الدُّنْيَا والمعافى من عافاه الله مِنْهُمَا ومتعه بسمعه وبصره وجعلهما الْوَارِثين مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>