وَلَا تنس حَال الَّذِي قبضت الْمَلَائِكَة روحه فَقيل لَهُ هَل عملت خيرا هَل عملت حَسَنَة قَالَ مَا اعلمه قيل تذكر قَالَ كنت ابايع النَّاس فَكنت انْظُر الْمُوسر واتجاوز عَن الْمُعسر اَوْ قَالَ كنت امْر فتياني ان يتجاوزوا فِي السِّكَّة فَقَالَ الله نَحن احق بذلك مِنْك وَتجَاوز الله عَنهُ فَالله عز وَجل يُعَامل العَبْد فِي ذنُوبه بِمثل مَا يُعَامل بِهِ العَبْد النَّاس فِي ذنوبهم فَإِذا عرف العَبْد ذَلِك كَانَ فِي ابتلائه بِالذنُوبِ من الحكم والفوائد مَا هُوَ انفع الاشياء لَهُ
فصل وَمِنْهَا انه إِذا عرف هَذَا فاحسن الى من اساء اليه وَلم يُقَابله
بإساءته إساءة مثلهَا تعرض بذلك لمثلهَا من ربه تَعَالَى وَأَنه سُبْحَانَهُ يُقَال اساءته وذنوبه باحسانه كَمَا كَانَ هُوَ يُقَابل بذلك اساءة الْخلق اليه وَالله اوسع فضلا وَأكْرم واجزل عَطاء فَمن احب ان يُقَابل الله إساءته بالاحسان فليقابل هُوَ إساءة النَّاس اليه بالاحسان وَمن علم ان الذُّنُوب والاساءة لَازِمَة للانسان لم تعظم عِنْده اساءة النَّاس اليه فَلْيتَأَمَّل هُوَ حَاله مَعَ الله كَيفَ هِيَ مَعَ فرط احسانه اليه وَحَاجته هُوَ الى ربه وَهُوَ هَكَذَا لَهُ فَإِذا كَانَ العَبْد هَكَذَا لرَبه فَكيف ينكران يكون النَّاس لَهُ بِتِلْكَ الْمنزلَة وَمِنْهَا انه يُقيم معاذير الْخَلَائق وتتسع رَحمته لَهُم ويتفرج بطانه وَيَزُول عَنهُ ذَلِك الْحصْر والضيق والانحراف واكل بعضه بَعْضًا ويستريح العصاة من دُعَائِهِ عَلَيْهِم وقنوطه مِنْهُم وسؤال الله ان يخسف بهم الارض ويسلط عَلَيْهِم الْبلَاء فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يرى نَفسه وَاحِدًا مِنْهُم فَهُوَ يسْأَل الله لَهُم مَا يسْأَله لنَفسِهِ وَإِذا دَعَا لنَفسِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَة ادخلهم مَعَه فيرجو لَهُم فَوق مَا يَرْجُو لنَفسِهِ وَيخَاف على نَفسه اكثر مِمَّا يخَاف عَلَيْهِم فَأَيْنَ هَذَا منحاله الاولى وَهُوَ نَاظر اليهم بِعَين الاحتقار والازدراء لَا يجد فِي قلبه رَحْمَة لَهُم وَلَا دَعْوَة وَلَا يَرْجُو لَهُم نجاة فالذنب فِي حق مثل هَذَا من اعظم اسباب رَحمته مَعَ هَذَا فيقيم امْر الله فيهم طَاعَة لله وَرَحْمَة بهم وإحسانا اليهم إِذْ هوعين مصالحتهم لَا غلظة وَلَا قُوَّة وَلَا فظاظة
فصل وَمِنْهَا ان يخلع صولة الطَّاعَة من قلبه وَينْزع عَنهُ رِدَاء الْكبر
وَالْعَظَمَة الَّذِي لَيْسَ لَهُ ويلبس ردْءًا الذل والانكسار والفقر والفاقة فَلَو دَامَت تِلْكَ الصولة والعزة فِي قلبه لخيف عَلَيْهِ مَا هُوَ من اعظم الافات كَمَا فِي الحَدِيث لَو لم تذنبوا لخفت عَلَيْكُم مَا هُوَ اشد من ذَلِك الْعجب اَوْ كَمَا قَالَ فكم بَين آثَار الْعجب وَالْكبر وصولة الطَّاعَة وَبَين آثَار الذل والانكسار كَمَا قيل يَا آدم لَا تجزع من كأس زلل كَانَت سَبَب كيسك فقد استخرج مِنْك دَاء الْعجب والبست رِدَاء الْعُبُودِيَّة يَا آدم لَا تجزع من قولي لَك اخْرُج مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute