عِنْد كل عَاقل أَن كمان الرَّاحَة بِحَسب التَّعَب وَكَمَال النَّعيم بِحَسب تحمل المشاق فِي طَرِيقه وَإِنَّمَا تخلص الرَّاحَة واللذة وَالنَّعِيم فِي دَار السَّلَام فَأَما فِي هَذِه الدَّار فكلا وَلما
وَبِهَذَا التَّفْصِيل يَزُول النزاع فِي المسئلة وتعود مسئلة وفَاق
فصل وَأما المسئلة الثَّانِيَة وَهِي مَا تَسَاوَت مصْلحَته ومفسدته فقد اخْتلف
فِي وجوده وَحكمه فَاثْبتْ وجوده قوم ونفاه آخَرُونَ
وَالْجَوَاب أَن هَذَا الْقسم لَا وجود لَهُ إِن حصره التَّقْسِيم بل التَّفْصِيل إِمَّا أَن يكون حُصُوله أولى بالفاعل وَهُوَ رَاجِح الْمصلحَة وَإِمَّا أَن يكون عَدمه أولى بِهِ وَهُوَ رَاجِح الْمفْسدَة وَأما فعل يكون حُصُوله أولى لمصلحته وَعَدَمه أولى بِهِ لمفسدته وَكِلَاهُمَا متساويان فَهَذَا مِمَّا لم يقم دَلِيل على ثُبُوته بل الدَّلِيل يَقْتَضِي نَفْيه فَإِن الْمصلحَة والمفسدة وَالْمَنْفَعَة والمضرة واللذة والألم إِذا تقابلا فَلَا بُد أَن يغلب أَحدهمَا الآخر فَيصير الحكم للْغَالِب وَأما أَن يتدافعا ويتصادما بِحَيْثُ لَا يغلب أَحدهمَا الآخر فَغير وَاقع فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يُقَال يُوجد الأثران مَعًا وَهُوَ محَال لتصادمها فِي الْمحل الْوَاحِد وَإِمَّا أَن يُقَال يمْتَنع وجود كل من الأثرين وَهُوَ مُمْتَنع لِأَنَّهُ تَرْجِيح لأحد الجائزين من غير مُرَجّح وَهَذَا الْمحَال إِنَّمَا نَشأ من فرض تدافع المؤثرين وتصادمهما فَهُوَ محَال فَلَا بُد أَن يقهر أَحدهمَا صَاحبه فَيكون الحكم لَهُ فَإِن قيل مَا الْمَانِع من أَن يمْتَنع وجود الأثرين قَوْلكُم أَنه محَال لوُجُود مقتضيه إِن أردتم بِهِ الْمُقْتَضى السَّالِم عَن الْمعَارض فَغير مَوْجُود وَإِن أردتم الْمُقْتَضى الْمُقَارن لوُجُود الْمعَارض فَتخلف أَثَره عَنهُ غير مُمْتَنع والمعارض قَائِم هَهُنَا فِي كل مِنْهُمَا فَلَا يمْتَنع تخلف الأثرين فَالْجَوَاب أَن الْمعَارض إِذا كَانَ قد سلب تَأْثِير الْمُقْتَضى فِي مُوجبه مَعَ قوته وَشدَّة اقتضائه لأثره وَمَعَ هَذَا فقد قوى على سلبه قُوَّة التَّأْثِير والاقتضاء فلَان يقوى على سلبه قُوَّة مَنعه لتأثيره هُوَ فِي مُقْتَضَاهُ وموجبه بطرِيق الأولى وَوجه الْأَوْلَوِيَّة أَن اقتضاءه لأثره اشد من مَنعه تَأْثِير غير فَإِذا قوى على سلبه للأقوى فسلبه للأضعف أولى وَأَحْرَى فَإِن قيل هَذَا ينْتَقض بِكُل مَانع يمْنَع تَأْثِير الْعلَّة فِي معلولها وَهُوَ بَاطِل قطعا قيل لَا ينْتَقض بِمَا ذكرْتُمْ والنقض مندفع فَإِن الْعلَّة وَالْمَانِع هَهُنَا لم يتدافعا ويتصادما وَلَكِن الْمَانِع أَضْعَف الْعلَّة فَبَطل تأثيرها فَهُوَ عائق لَهَا عَن الِاقْتِضَاء وَأما فِي مسئلتنا فالعلتان متصادمتان متعارضتان كل مِنْهُمَا تَقْتَضِي أَثَرهَا فَلَو بَطل أثرهما لكَانَتْ كل وَاحِدَة مُؤثرَة غير مُؤثرَة غالبة مغلوبة مَانِعَة مَمْنُوعَة وَهَذَا يمْتَنع وَهُوَ دَلِيل يشبه دَلِيل التمانع وسر الْفرق أَن الْعلَّة الْوَاحِدَة إِذا قارنها مَانع منع تأثيرها لم تبْق مقتضية لَهُ بل الْمَانِع عاقها عَن اقتضائها وَهَذَا غير مُمْتَنع وَأما العلتان المتمانعتان اللَّتَان كل مِنْهُمَا مَانِعَة لِلْأُخْرَى من تأثيرها فَإِن تمانعهما وتقابلهما يَقْتَضِي إبِْطَال كل وَاحِدَة مِنْهُمَا لِلْأُخْرَى وتأثيرها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute