للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكوين النطف فتعمل الْمَادَّة فِي اجوافها عَملهَا وتهيئها للعلوق حَتَّى إِذا آن وَقت الْحمل دب فِيهَا المَاء فَلَانَتْ اعطافها وتحركت للْحَمْل وسرى المَاء فِي افنانها وانتشرت فِيهَا الْحَرَارَة والرطوبة حَتَّى إِذا آن وَقت الْولادَة كُسِيت من سَائِر الملابس الفاخرة من النُّور وَالْوَرق مَا تتبخر فِيهِ وتميس بِهِ وتفخر على الْعَقِيم فَإِذا ظَهرت اولادها وَبَان للنَّاظِر حملهَا علم حِينَئِذٍ كرمها وطيبها من لؤمها وبخلها فَتَوَلّى تغذية ذَلِك الْحمل من تولى غذَاء الاجنحة فِي بطُون امهاتها وَكَسَاهَا الاوراق وصانها من الْحر وَالْبرد فَإِذا تَكَامل الْحمل وآن وَقت الْفِطَام تدلت اليك أفنانها كَأَنَّمَا تناولك ثَمَرَة درها فَإِذا قابلتها رايت الافنان كَأَنَّهَا تلقاك بِأَوْلَادِهَا وتحييك وتكرمك بهم وتقدمهم اليك حَتَّى كَأَن منا وَلَا يناولك إيَّاهُم بِيَدِهِ وَلَا سِيمَا قطوف جنَّات النَّعيم الدانية الَّتِي يَتَنَاوَلهَا الْمُؤمن قَائِما وَقَاعِدا ومضطجعا وَكَذَلِكَ ترى الرياحين كَأَنَّهَا تحييك بانفاسها وتقابلك بِطيب رائحتها وكل هَذَا إِكْرَاما لَك وعناية بِأَمْرك وتخصيصا لَك وتفضيلا على غَيْرك من الْحَيَوَانَات أفيجمل بك الِاشْتِغَال بِهَذِهِ النعم عَن الْمُنعم بهَا فَكيف إِذا استعنت بهَا على مَعَاصيه وصرفتها فِي مساخطه فَكيف إِذا جحدته واضفتها الى غَيره كَمَا قَالَ {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} فجدير بِمن لَهُ مسكة من عقل ان يُسَافر بفكره فِي هَذِه النعم والالاء ويكرر ذكرهَا لَعَلَّه يوقفه على المُرَاد مِنْهَا ماهو ولأي شَيْء خلق ولماذا هيء وَأي امْر طلب مِنْهُ على هَذِه النعم كَمَا قَالَ تَعَالَى واذْكُرُوا آلَاء الله لَعَلَّكُمْ تفلحون فَذكر آلائه تبَارك وَتَعَالَى ونعمه على عَبده سَبَب الْفَلاح والسعادة لَان ذَلِك لَا يزِيدهُ الا محبَّة لله وحمدا وشكرا وَطَاعَة وشهود تَقْصِيره بل تفريطه فِي الْقَلِيل مِمَّا يجب لله عَلَيْهِ وَللَّه در الْقَائِل:

قد هيؤك لأمر لَو فطنت لَهُ ... فاربأ بِنَفْسِك ان ترعى مَعَ الهمل

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي شَجَرَة اليقطين والبطيخ والجزر كَيفَ لما اقْتَضَت

الْحِكْمَة ان يكون حمله ثمارا كبارًا جعل نَبَاته منبسطا على الارض إِذْ لَو انتصب قَائِما كَمَا ينْتَصب الزَّرْع لضعفت قوته عَن حمل هَذِه الثِّمَار الثَّقِيلَة ولنقصت قبل أدراكها وانتهائها الى غاياتها فاقتضت حِكْمَة مبدعها وخالقها ان بَسطه ومده على الارض ليلقى عَلَيْهَا ثماره فتحملها عَنهُ الارض فترى الْعرق الضَّعِيف الدَّقِيق من ذَلِك منبسطا على الارض وثماره مبثوثة حواليه كَأَنَّهَا حَيَوَان قد اكتنفها اجراؤها فَهِيَ ترضعهم وَلما كَانَ شجر اللوبيا والباذنجان والباقلاء وَغَيرهَا مِمَّا يقوى على حمل ثَمَرَته انتبه الله منتصبا قَائِما على سَاقه إِذْ لَا يلقى من حمل ثماره مُؤنَة وَلَا يضعف عَنهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>