وَإِسْحَق وَيَعْقُوب اولي الايدي والابصار قَالَ ابْن عَبَّاس اولي الْقُوَّة فِي طَاعَة الله والابصار فِي الْمعرفَة فِي امْر الله وَقَالَ قَتَادَة وَمُجاهد اعطوا قُوَّة فِي الْعِبَادَة وبصرا فِي الدّين وَاعْلَم النَّاس ابصرهم بِالْحَقِّ إِذا اخْتلف النَّاس وَإِن كَانَ مقصرا فِي الْعَمَل وَتَحْت كل من هَذِه الاقسام انواع لَا يُحْصى مقادير تفاوتها إِلَّا الله إِذا عرف هَذَا فالقسم الاول لَا ينْتَفع بِهَذَا الْبَاب وَلَا يزْدَاد بِهِ الا ضَلَالَة وَالْقسم الثَّانِي ينْتَفع مِنْهُ بِقدر فهمه واستعداده وَالْقسم الثَّالِث واليهم هَذَا الحَدِيث يساق وهم اولو الالباب الَّذين يخصهم الله فِي كِتَابه بخطاب التَّنْبِيه والارشاد وهم المرادون على الْحَقِيقَة بالتذكرة قَالَ تَعَالَى وَمَا يتَذَكَّر لَا اولو الالباب
فصل قد شهِدت الْفطر والعقول بِأَن للْعَالم رَبًّا قَادِرًا حَلِيمًا عليما رحِيما
كَامِلا فِي ذَاته وَصِفَاته لَا يكون إِلَّا مرِيدا للخير لِعِبَادِهِ مجريا لَهُم على الشَّرِيعَة وَالسّنة الفاضلة العائدة باستصلاحهم الْمُوَافقَة لما ركب فِي عُقُولهمْ من اسْتِحْسَان الْحسن واستقباح الْقَبِيح وَمَا جبل طباعهم عَلَيْهِ من إِيثَار النافع لَهُم المصلح لشأنهم وَترك الضار الْمُفْسد لَهُم وَشهِدت هَذِه الشَّرِيعَة لَهُ بِأَنَّهُ احكم الْحَاكِمين وأرحم الرَّاحِمِينَ وانه الْمُحِيط بِكُل شَيْء علما وَإِذا عرف ذَلِك فَلَيْسَ من الْحِكْمَة الالهية بل وَلَا الْحِكْمَة فِي مُلُوك الْعَالم انهم يسوون بَين من هُوَ تَحت تدبيرهم فِي تعريفهم كلما يعرفهُ الْمُلُوك وإعلامهم جَمِيع مَا يعلمونه واطلاعهم على كل مَا يجرونَ عَلَيْهِ سياساتهم فِي انفسهم وَفِي مَنَازِلهمْ حَتَّى لَا يقيمو فِي بلد فِيهَا إِلَّا اخبروا من تَحت ايديهم بِالسَّبَبِ فِي ذَلِك وَالْمعْنَى الَّذِي قصدوه مِنْهُ وَلَا يأمرون رعيتهم بِأَمْر وَلَا يضْربُونَ عَلَيْهِم بعثا وَلَا يسوسونهم سياسة إِلَّا اخبروهم بِوَجْه ذَلِك وَسَببه وغايته ومدته بل لَا تتصرف بهم الاحوال فِي مطاعمهم وملابسهم ومراكبهم إِلَّا اوقفوهم على أغراضهم فِيهِ وَلَا شكّ ان هَذَا منَاف للحكمة والمصلحة بَين المخلوقين فَكيف بشأن رب الْعَالمين واحكم الْحَاكِمين الَّذِي لَا يُشَارِكهُ فِي علمه وَلَا حكمته اُحْدُ ابدا فَحسب الْعُقُول الْكَامِلَة ان تستدل بِمَا عرفت من حكمته على مَا غَابَ عَنْهَا وَتعلم ان لَهُ حِكْمَة فِي كل مَا خلقه وَأمر بِهِ وشرعه وَهل تَقْتَضِي الْحِكْمَة ان يخبر الله تَعَالَى كل عبد من عباده بِكُل مَا يَفْعَله ويوقفهم على وَجه تَدْبيره فِي كل مَا يُريدهُ وعَلى حكمته فِي صَغِير مَا ذَرأ وبرأ من خليقته وَهل فِي قوى الْمَخْلُوقَات ذَلِك بل طوى سُبْحَانَهُ كثيرا من صنعه وَأمره عَن جَمِيع خلقه فَلم يطلع على ذَلِك ملكا مقربا وَلَا نَبيا مُرْسلا وَالْمُدبر الْحَكِيم من الْبشر إِذا ثبتَتْ حكمته وابتغاؤه الصّلاح لمن تَحت تَدْبيره وسياسته كفا فِي ذَلِك تتبع مقاصده فِيمَن يولي ويعزل وَفِي جنس مَا يَأْمر بِهِ وَيُنْهِي عَنهُ وَفِي تَدْبيره لرعيته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute