للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبيحا وَأَن الَّذِي يحسن وَيجب إِنَّمَا هُوَ التورية وَهِي صدق وَقد يُطلق عَلَيْهَا الْكَذِب بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإفهام لَا إِلَى الْعِنَايَة الطَّرِيق الثَّانِي ان تخلف الْقبْح عَن الْكَذِب لفَوَات شَرط أَو قيام مَانع يَقْتَضِي مصلحَة رَاجِعَة على الصدْق لَا تخرجه عَن كَونه قبيحا لذاته وَتَقْرِيره مَا تقدم وَقد تقدم أَن الله سُبْحَانَهُ حرم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير للمفسدة الَّتِي فِي تنَاولهَا وَهِي ناشئة من ذَوَات هَذِه الْمُحرمَات وتخلف التَّحْرِيم عَنْهَا عِنْد الضَّرُورَة لَا يُوجب أَن تكون ذَاتهَا غير مقتضية للمفسدة الَّتِي حرمت لأَجلهَا فَهَكَذَا الْكَذِب المتضمن نجاة نَبِي أَو مُسلم الْوَجْه الرَّابِع قَوْله لَو كَانَ ذاتيا لاجتمع النقيضان فِي صدق من قَالَ لأكذبن غَدا إِلَى آخر مَا ذكر جَوَابه أَنه مَتى يجْتَمع النقيضان إِذا كَانَ الْحسن والقبح بِاعْتِبَار وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة أَو إِذا كَانَا باعتبارين من جِهَتَيْنِ أَو أَعم من ذَلِك فَإِن عنيتم الأول فَمُسلم وَلَكِن لَا نسلم الْمُلَازمَة فَإِنَّهُ لَا يلْزم من اجْتِمَاع الْحسن والقبح فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة أَن يكون لجِهَة وَاحِدَة وَاعْتِبَار وَاحِد فَإِن اجْتِمَاع الْحسن والقبح فيهمَا باعتبارين مُخْتَلفين من جِهَتَيْنِ متباينتين وَهَذَا لَيْسَ مُمْتَنعا فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كذبا كَانَ قبيحا بِالنّظرِ إِلَى ذَاته وحسنا بِالنّظرِ إِلَى تضمنه صدق الْخَبَر الأول وَنَظِيره إِن يَقُول وَالله لأشربن الْخمر غَدا أَو وَالله لآسرقن هَذَا الثَّوْب غَدا وَنَحْوه وَأَن عنيتم الثَّانِي فَهُوَ حق وَلَكِن لَا نسلم انْتِفَاء اللَّازِم وَأَن عنيتم الثَّالِث منعنَا الْمُلَازمَة أَيْضا على التَّقْدِير الأول وَانْتِفَاء اللَّازِم على التَّقْدِير الثَّانِي وَهَذَا وَاضح جدا الْوَجْه الْخَامِس قَوْله الْقَتْل وَالضَّرْب حسن إِذا كَانَ حدا أَو قصاصا وقبيح فِي غَيره فَلَو كَانَ ذاتيا لاجتمع النقيضان كَلَام فِي غَايَة الْفساد فَإِن الْقَتْل وَالضَّرْب وَاحِد بالنوع والقبيح مَا كَانَ ظنا وعدوانا والحس مِنْهُ مَا كَانَ جَزَاء على إساءة أما حدا وَأما قصاصا فَلم يرجع الْحسن والقبح إِلَى وَاحِد بِالْعينِ وَنَظِير هَذَا السُّجُود فَإِنَّهُ فِي غَايَة الْحسن لذاته إِذا كَانَ عبودية وخضوعا للْوَاحِد المعبود وَفِي غَايَة الْقبْح إِذا كَانَ لغيره وَلَو سلمنَا أَن الْقَتْل وَالضَّرْب الْوَاحِد بِالْعينِ إِذا كَانَ حدا أَو قصاصا فَإِنَّهُ يكون حسنا قبيحا لم يكن ذَلِك محالا لِأَنَّهُ باعتبارين فَهُوَ حسن لما تضمنه من الزّجر والنكال وعقوبة الْمُسْتَحق وقبيح بِالنّظرِ إِلَى الْمَقْتُول الْمَضْرُوب فَهُوَ قَبِيح لَهُ حسن فِي نَفسه وَهَذَا كَمَا أَنه مَكْرُوه مبغوض لَهُ وَهُوَ مَحْبُوب مرضى لفَاعِله والآمر بِهِ فَأَي محَال فِي هَذَا فَظهر أَن هَذَا الدَّلِيل فَاسد وَالله أعلم

فصل فَهَذِهِ أقوى أَدِلَّة النفاة باعترافهم بِضعْف مَا سواهَا فَلَا حَاجَة بِنَا

إِلَى ذكرهَا وَبَيَان فَسَادهَا فقد تبين الصُّبْح لذِي عينين وجلبت عَلَيْك المسئلة رافلة فِي حلل أدلتها الصَّحِيحَة وبراهينها

<<  <  ج: ص:  >  >>