للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستقيمة وَلَا تغضض طرف بصيرتك عَن هَذِه المسئلة فَأن شَأْنهَا عَظِيم وخطبها جسيم وَقد احْتج بَعضهم بِدَلِيل أفسد من هَذَا كُله فَقَالُوا لَو حسن الْفِعْل أَو قبح لذاته اَوْ لصفته لم يكن الباريء تَعَالَى مُخْتَارًا فِي الحكم لِأَن الحكم بالمرجوح على خلاف الْمَعْقُول فليزم الآخر فَلَا اخْتِيَار وَتَقْرِير هَذَا الِاسْتِدْلَال بِبَيَان الْمُلَازمَة الْمَذْكُورَة أَولا وَبَيَان انْتِفَاء اللَّازِم ثَانِيًا أما الْمقَام الأول وَهُوَ بَيَان الْمُلَازمَة فَإِن الْفِعْل لَو حسن لذاته اَوْ لصفته لَكَانَ راجحا على الْحسن فِي كَونه مُتَعَلقا للْوُجُوب أَو النّدب وَلَو قبح لذاته أَو لصفته لَكَانَ راجحا على الْحسن فِي كَونه مُتَعَلقا للتَّحْرِيم أَو الْكَرَاهَة فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يتَعَلَّق الحكم بالراجح الْمُقْتَضِي لَهُ اَوْ الْمَرْجُوح الْمُقْتَضِي لضده

وَالثَّانِي بَاطِل قطعا لَا لاستلزامه تَرْجِيح الْمَرْجُوح وَهُوَ بَاطِل بِصَرِيح الْعقل فَتعين الأول ضَرُورَة فَإِذا كَانَ تعلق الحكم بالراجح لَازِما ضَرُورَة لم يكن الْبَارِي مُخْتَارًا فِي حكمه فَتَأمل هَذِه الشُّبْهَة مَا أفسدها وَأبين بُطْلَانهَا وَالْعجب مِمَّن يرضى لنَفسِهِ ان يحْتَج يمثلها وحسبك فَسَاد الْحجَّة مضمونها أَن الله تَعَالَى لم يشرع السُّجُود لَهُ وتعظيمه وشكره وَيحرم السُّجُود للصنم وتعظيمه لحسن هَذَا وقبح هَذَا مَعَ استوائهما تفريقا بَين المتماثلين فَأَي برهَان أوضح من هَذَا على فَسَاد هَذِه الشُّبْهَة الْبَاطِلَة

الثَّانِي أَن يُقَال هَذَا يُوجب أَن تكون أَفعاله كلهَا مستلزمة للترجيح بِغَيْر مُرَجّح إِذْ لَو ترجح الْفِعْل مِنْهَا بمرجح لزم عدم الِاخْتِيَار بِعَين مَا ذكرْتُمْ إِذا لحكم بالمرجح لَازم فَإِن قيل لَا يلْزم الِاضْطِرَار وَترك الِاخْتِيَار لِأَن الْمُرَجح هُوَ الْإِرَادَة وَالِاخْتِيَار قيل فَهَلا قنعتم بِهَذَا الْجَواب منا وقلتم إِذا كَانَ اخْتِيَاره تَعَالَى مُتَعَلقا بِالْفِعْلِ لما فِيهِ من الْمصلحَة الداعية إِلَى فعله وشرعه وتحريمه لَهُ مَا فِيهِ من الْمفْسدَة الداعية إِلَى تَحْرِيمه وَالْمَنْع مِنْهُ فَكَانَ الحكم بالراجح فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُتَعَلقا بِاخْتِيَارِهِ تَعَالَى وإرادته فَإِنَّهُ الْحَكِيم فِي خلقه وَأمره فَإِذا علم فِي الْفِعْل مصلحَة راجحة شَرْعِيَّة وأوجبه شَرعه وَوَضعه وَإِذا علم فِيهِ مفْسدَة راجحة كرهه وأبغضه وَحرمه هَذَا فِي شَرعه وَكَذَلِكَ فِي خلقه لم يفعل شَيْئا إِلَّا ومصلحته راجحة وحكمته ظَاهِرَة واشتماله على الْمصلحَة وَالْحكمَة الَّتِي فعله لأَجلهَا لَا يُنَافِي اخْتِيَاره بل لَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ إِلَّا لما فِيهِ من الْمصلحَة وَالْحكمَة وَكَذَلِكَ تَركه لما فِيهِ من خلاف حكمته فَلَا يلْزم من تعلق الْحِكْمَة بالراجح أَن لَا يكون الحكم اختياريا فَإِن الْمُخْتَار الَّذِي هُوَ أحكم الْحَاكِمين لَا يخْتَار إِلَّا مَا يكون على وفْق الْحِكْمَة والمصلحة

الثَّالِث أَن قَوْله إِذا لزم تعلق الحكم بالراجح لم يكن مُخْتَارًا تلبيس فَإِنَّهُ إِنَّمَا تعلق بالراجح بِاخْتِيَارِهِ وإرادته واختياره وإرادته اقْتَضَت تعلقه بالراجح على وَجه اللُّزُوم فَكيف لَا يكون مُخْتَارًا واختياره استلزم تعلق الحكم بالراجح الرَّابِع إِن تعلق حكمه تَعَالَى بِالْفِعْلِ الْمَأْمُور بِهِ أَو الْمنْهِي عَنهُ إِمَّا أَن يكون جَائِز الْوُجُود والعدم أَو رَاجِح الْوُجُود أَو رَاجِح الْعَدَم فَإِن كَانَ جَائِز الطَّرفَيْنِ لم بترجح أَحدهمَا إِلَّا بمرجح وَإِن كَانَ راجحا فالتعلق لَازم لِأَن الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>