للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمْتَنع ثُبُوته مَعَ الْمُسَاوَاة وَمَعَ المرجوحية

أما الأول فَلَا ستلزامه التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَأما الثَّانِي فَلَا ستلزامه تَرْجِيح الْمَرْجُوح وَهُوَ بَاطِل بِصَرِيح الْعقل فَلَا يثبت إِلَّا مَعَ الْمُرَجح التَّام وَحِينَئِذٍ فيلزله عدم الِاخْتِيَار وَمَا يجيبون بِهِ عَن الْإِلْزَام الْمَذْكُور هُوَ جوابكم بِعَيْنِه عَن شبهتكم الَّتِي استدللتم بهَا الْخَامِس أَن هَذِه الشُّبْهَة الْفَاسِدَة مستلزمة لأحد الْأَمريْنِ وَلَا بُد أما التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَإِمَّا أَن لَا يكون الْبَارِي تَعَالَى مُخْتَارًا كَمَا قررتم وَكِلَاهُمَا بَاطِل السَّادِس أَنَّهَا تَقْتَضِي أَن لَا يكون فِي الْوُجُود قَادر مُخْتَار إِلَّا من يرجح أحد المتساويين على الآخر بِلَا مُرَجّح وَأما من رجح أحد الجائزين بمرجح فَلَا يكون مُخْتَارًا وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل بل الْقَادِر الْمُخْتَار لَا يرجح أحد مقدريه على الآخر إِلَّا بمرجح وَهُوَ مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَاحْتج النفاة أَيْضا بقوله تَعَالَى وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا وَوجه الِاحْتِجَاج بِالْآيَةِ أَنه سُبْحَانَهُ نفي التعذيب قبل بعثة الرُّسُل فَلَو كَانَ حسن الْفِعْل وقبحه ثَابتا لَهُ قبل الشَّرْع لَكَانَ مرتكب الْقبْح وتارك الْحسن فَاعِلا لِلْحَرَامِ وتاركا الْوَاجِب لِأَن قبحه عقلا يَقْتَضِي تَحْرِيمه عقلا عنْدكُمْ وَحسنه عقلا يَقْتَضِي وُجُوبه عقلا فَإِذا فعل الْمحرم وَترك الْوَاجِب اسْتحق الْعَذَاب عنْدكُمْ وَالْقُرْآن نَص صَرِيح أَن الله لَا يعذب بِدُونِ بعثة الرُّسُل فَهَذَا تَقْرِير الِاسْتِدْلَال احتجاجا والتزاما وَلَا ريب أَن الْآيَة حجَّة على تنَاقض المثبتين إِذا أثبتوا التعذيب قبل الْبعْثَة فَيلْزم تناقضهم وَإِبْطَال جمعهم بَين هذَيْن الْحكمَيْنِ إِثْبَات الْحسن والقبح عقلا وَإِثْبَات التعذيب على ذَلِك بِدُونِ الْبعْثَة وَلَيْسَ إبِْطَال القَوْل بِمَجْمُوع الْأَمريْنِ مُوجبا لإبطال كل وَاحِد مِنْهُمَا فَلَعَلَّ الْبَاطِل هُوَ قَوْلهم بِجَوَاز التعذيب قبل الْبعْثَة وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيّن لِأَنَّهُ خلاف نَص الْقُرْآن وَخلاف صَرِيح الْعقل أَيْضا فَأن الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَقَامَ الْحجَّة على الْعباد برسله قَالَ تَعَالَى رسلًا مبشرين ومنذرين لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل فَهَذَا صَرِيح بِأَن الْحجَّة إِنَّمَا قَامَت بالرسل وَأَنه بعد مجيئهم لَا يكون للنَّاس على الله حجَّة وَهَذَا يدل على أَنه لَا يعذبهم قبل مَجِيء الرُّسُل إِلَيْهِم لِأَن الْحجَّة حِينَئِذٍ لم تقم عَلَيْهِم فَالصَّوَاب فِي المسئلة اثبات الْحسن والقبح عقلا وَنفي التعذيب على ذَلِك إِلَّا بعد بعثة الرُّسُل فالحسن والقبح الْعقلِيّ لَا يسْتَلْزم التعذيب وَإِنَّمَا يستلزمة مُخَالفَة الْمُرْسلين وَأما الْمُعْتَزلَة فقد أجابوا عَن ذَلِك بِأَن قَالُوا الْحسن والقبح الْعقلِيّ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاق الْعقَاب على فعل الْقَبِيح وَترك الْحسن وَلَا يلْزم من اسْتِحْقَاق الْعقَاب وُقُوعه لجَوَاز الْعَفو عَنهُ قَالُوا وَلَا يرد هَذَا علينا حَيْثُ نمْنَع الْعَفو بعد الْبعْثَة إِذا أَو عد الرب على الْفِعْل لِأَن الْعَذَاب قد صَار وَاجِبا بِخَبَرِهِ ومستحقا بارتكاب الْقَبِيح وَهُوَ سُبْحَانَهُ لم يحصل مِنْهُ إيعاد قبل الْبعْثَة فَلَا يقبح الْعَفو لِأَنَّهُ لَا يسْتَلْزم خلفا فِي الْخَبَر وَإِنَّمَا غَايَته ترك حق لَهُ قد وَجب قبل الْبعْثَة وَهَذَا حسن وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا أَن سَبَب الْعقَاب قَائِم قبل الْبعْثَة وَلَكِن لَا يلْزم من وجود سَبَب الْعَذَاب حُصُوله لِأَن هَذَا السَّبَب قد نصب الله تَعَالَى لَهُ شرطا وَهُوَ بعثة الرُّسُل وَانْتِفَاء التعذيب قبل الْبعْثَة هُوَ لَا نتفاء شَرطه لَا لعدم

<<  <  ج: ص:  >  >>