للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمتهم العلمية إِيمَان بِاللَّه وَلَا مَلَائكَته وَلَا كتبه وَلَا لِقَائِه رسله وَلَيْسَ فِي حكمتهم العلمية عِبَادَته وَحده وَلَا شريك لَهُ وَاتِّبَاع مرضاته وَاجْتنَاب مساخطه وَمَعْلُوم أَن النَّفس لَا سَعَادَة لَهَا وَلَا فلاح إِلَّا بذلك فَلَيْسَ من حكمتهم العلمية والعملية مَا تسعد بِهِ النُّفُوس وتفوز وَلِهَذَا لم يَكُونُوا داخلين فِي الْأُمَم السُّعَدَاء فِي الْآخِرَة وهم الْأُمَم الْأَرْبَعَة المذكورون فِي قَوْله تَعَالَى أَن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم ولاهم يَحْزَنُونَ

فصل وَهَذِه الكمالات الْأَرْبَعَة الَّتِي ذكرهَا الفلاسفة للنَّفس لَا بُد مِنْهَا

فِي كَمَا لَهَا وصلاحها وَلَكِن قصروا غَايَة التَّقْصِير فِي أَنهم لم يبينوا متعلقها وَلم يحدوا لَهَا حدا فاصلا بَين مَا تحصل بِهِ السَّعَادَة وَمَا لَا تحصل بِهِ فانهم لم يذكرُوا مُتَعَلق الْعِفَّة وَلَا عماذا تكون وَلَا مقدارها الَّذِي إِذا تجاوزه العَبْد وَقع فِي الْفُجُور وَكَذَلِكَ الْحلم لم يذكرُوا مواقعه ومقداره وَأَيْنَ يحسن وَأَيْنَ يقبح وَكَذَلِكَ الشجَاعَة وَكَذَلِكَ الْعلم لم يميزوا الْعلم الَّذِي تزكو بِهِ النُّفُوس وتسعد من غَيره بل لم يعرفوا أصلا وَأما الرُّسُل صَلَاة الله وَسَلَامه عَلَيْهِم فبينوا ذَلِك غَايَة الْبَيَان وفصلوه أحسن تَفْصِيل وَقد جمع الله ذَلِك فِي كِتَابه فِي آيَة وَاحِدَة فَقَالَ {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ} فَهَذِهِ الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة الَّتِي حرمهَا تَحْرِيمًا مُطلقًا لم يبح مِنْهَا شَيْئا لأحد من الْخلق وَلَا فِي حَال من الْأَحْوَال بِخِلَاف الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير فَأَنَّهَا تحرم فِي حَال وتباح فِي حَال وَأما هَذِه الْأَرْبَعَة فَهِيَ مُحرمَة فالفواحش مُتَعَلقَة بالشهوة وتعديل قُوَّة الشَّهْوَة باجتنابها وَالْبَغي بِغَيْر الْحق مُتَعَلق بِالْغَضَبِ وتعديل الْقُوَّة الغضبية باجتنابه والشرك بِاللَّه ظلم عَظِيم بل هُوَ الظُّلم على الْإِطْلَاق وَهُوَ منَاف للعدل وَالْعلم وَقَوله وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا مُتَضَمّن تَحْرِيم أصل الظُّلم فِي حق الله وَذَلِكَ يسْتَلْزم إِيجَاب الْعدْل فِي حَقه وَهُوَ عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ فان النَّفس لَهَا القوتان العلمية والعملية وَعمل الْإِنْسَان عمل اخْتِيَاري تَابع لارادة العَبْد وكل إِرَادَة فلهَا مُرَاد وَكَمَال هُوَ أما مُرَاد لنَفسِهِ واما مُرَاد لغيره يَنْتَهِي إِلَيّ المُرَاد لنَفسِهِ وَلَا بُد فالقوة العملية تَسْتَلْزِم أَن يكون للنَّفس مُرَاد تستكمل بإرادته فان كَانَ ذَلِك المُرَاد مضمحلا فانيا زَالَت الْإِرَادَة بزواله وَلم يكن للنَّفس مُرَاد غَيره قفاتها أعظم سعادتها وفلاحها فَيجب إِذا أَن يكون مرادها الَّذِي تستكمل بإرادته وحبه وإيثاره بَاقِيا لَا يفنى وَلَا يَزُول وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الله وَحده وَسَنذكر أَن شَاءَ الله عَن قريب معنى تعلق الْإِرَادَة بِهِ تَعَالَى وَكَونه مرَادا وَالْعَبْد مُرِيد لَهُ فان هَذَا مِمَّا أشكل على بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>