للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ تَعَالَى وَمن يبتع غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَقَالَ تَعَالَى واسأل من رسلنَا أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ وَقَالَ يأيها الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا أَنى بِمَا تَعْمَلُونَ عليم وَأَن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون وَقَالَ تَعَالَى {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ كبر على الْمُشْركين} وَقَالَ تَعَالَى فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ منيبين إِلَيْهِ وَاتَّقوا وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} فالغاية الحميدة الَّتِي يحصل بهَا كَمَال بني آدم وسعادتهم ونجاحهم هِيَ معرفَة الله

ومحبته وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ وَهِي حَقِيقَة قَول العَبْد لَا اله إِلَّا الله وَبهَا بعث الرُّسُل وَنزلت جَمِيع الْكتب وَلَا تصلح النَّفس وَلَا تزكو وَلَا تكمل إِلَّا بذلك قَالَ تَعَالَى فويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة أَي لَا يُؤْتونَ مَا تزكّى بِهِ أنفسهم من التَّوْحِيد والأيمان وَلِهَذَا فَسرهَا غير وَاحِد من السّلف بِأَن قَالُوا لَا يأْتونَ الزَّكَاة لَا يَقُولُونَ لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن يكون الله أحب إِلَى العَبْد من كل مَا سواهُ هُوَ اعظم وَصِيَّة جَاءَت بهَا الرُّسُل ودعوا إِلَيْهَا الْأُمَم وسنبين أَن شَاءَ الله عَن قريب بالبراهين الشافية أَن النَّفس لَيْسَ لَهَا نجاة وَلَا سَعَادَة وَلَا كَمَال إِلَّا بِأَن يكون الله وَحده محبوبها ومعبودها لَا أحب إِلَيْهَا مِنْهُ وَلَا آثر عِنْدهَا من

مرضاته والتقرب إِلَيْهِ وَأَن النَّفس محتاجة بل مضطرة إِلَيْهِ حَيْثُ هُوَ معبودها ومحبوبها وَغَايَة مرادها أعظم من اضطرارها إِلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ رَبهَا وخالقها وفاطرها وَلِهَذَا كَانَ من آمن بِاللَّه خالقه ورازقه وربه ومليكه وَلم يُؤمن بِأَنَّهُ لَا اله يعبد وَيُحب ويخشى وَيخَاف غَيره بل أشرك مَعَه فِي عِبَادَته غَيره فَهُوَ كَافِر بِهِ مُشْرك شركا لَا يغفره الله لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} فَأخْبر أَن من أحب شَيْئا سوى الله مثل مَا يحب الله فقد اتخذ من دون الله أندادا وَلِهَذَا يَقُول أهل النَّار لمعبوداتهم وهم مَعَهم فِيهَا {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين} وَهَذِه التَّسْوِيَة إِنَّمَا كَانَت فِي الْحبّ والتأله لَا فِي الْخلق وَالْقُدْرَة والربوبية وَهِي الْعدْل الَّذِي أخبر بِهِ عَن الْكفَّار بقوله وَالْحَمْد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ أَن الْمَعْنى ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ فيجعلون لَهُ عدلا يحبونه ويعبدونه ويعبدونه كَمَا يحبونَ الله ويعبدونه فَمَا ذكر الفلاسفة من الْحِكْمَة العملية والعلمية لَيْسَ فِيهَا من الْعُلُوم والأعمال مَا تستعد بِهِ النُّفُوس وتنجو بِهِ من الْعَذَاب فَلَيْسَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>