للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَاصِلَة من صقل الْمرْآة لتستعد لظُهُور الصُّور فِيهَا وَهَؤُلَاء يجْعَلُونَ الشَّرَائِع من جنس الْأَخْلَاق الفاضلة والسياسات العادلة وَلِهَذَا رام فلاسفة الْإِسْلَام الْجمع بَين الشَّرِيعَة والفلسفة كَمَا فعل ابْن سينا والفارابي واضرابهما وَآل بهم أَن تكلمُوا فِي خوارق الْعَادَات والمعجزات على طَرِيق الفلاسفة الْمَشَّائِينَ وَجعلُوا لَهَا أسبابا ثَلَاثَة أَحدهَا القوى الفلكية وَالثَّانِي القوى النفسية وَالثَّالِث القوى الطبيعية وَجعلُوا جنس الخوارق

جِنْسا وَاحِدًا وأدخلوا مَا للسحرة وأرباب الرياضة والكهنة وَغَيرهم مَعَ مَا للأنبياء وَالرسل فِي ذَلِك وَجعلُوا سَبَب ذَلِك كُله وَاحِدًا وان اخْتلفت بالغايات وَالنَّبِيّ قَصده الْخَيْر والساحر قَصده الشَّرّ وَهَذَا الْمَذْهَب من افسد مَذَاهِب الْعَالم وأخبثها وَهُوَ مَبْنِيّ على إِنْكَار الْفَاعِل الْمُخْتَار وانه تَعَالَى لَا يعلم ألجزئيات وَلَا يقدر على تَغْيِير الْعَالم وَلَا يخلق شَيْئا بمشيئته وَقدرته وعَلى إِنْكَار الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة ومعاد الْأَجْسَام وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مَبْنِيّ على الْكفْر بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَلَيْسَ هَذَا مَوْضُوع الرَّد هُنَا على هَؤُلَاءِ وكشف باطلهم وفضائحهم إِذْ الْمَقْصُود ذكر طرق النَّاس فِي الْمَقْصُود بالشرائع والعبادات وَهَذِه الْفرْقَة غَايَة مَا عِنْدهَا فِي الْعِبَادَات والأخلاق وَالْحكمَة العلمية أَنهم رَأَوْا النَّفس لَهَا شَهْوَة وَغَضب بقوتها العملية وَلها تصور وَعلم بقوتها العلمية فَقَالُوا كَمَال الشَّهْوَة فِي الْعِفَّة وَكَمَال الْغَضَب فِي الحكم والشجاعة وَكَمَال الْقُوَّة النظرية بِالْعلمِ والتوسط فِي جَمِيع ذَلِك بَين طرفِي الإفراط والتفريط هُوَ الْعدْل

هَذَا غَايَة مَا عِنْد الْقَوْم من الْمَقْصُود بالعبادات والشرائع وَهُوَ عِنْدهم غَايَة كَمَال النَّفس وَهُوَ استكمال قويتها العلمية والعملية فاستكمال قوتها العلمية عِنْدهم بانطباع صور المعلومات فِي النَّفس واستكمال قوتها العلمية بِالْعَدْلِ وَهَذَا مَعَ انه غَايَة مَا عِنْدهم من الْعلم وَالْعَمَل وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان خاصية النَّفس الَّتِي لَا كَمَال لَهَا بِدُونِهِ الْبَتَّةَ وَهُوَ الَّذِي خلقت لَهُ وَأُرِيد مِنْهَا بل مَا عرفه الْقَوْم لِأَنَّهُ لم يكن عِنْدهم من معرفَة مُتَعَلقَة إِلَّا نزر يسير غير مجد وَلَا مُحَصل للمقصود وَذَلِكَ معرفَة الله بأسمائه وَصِفَاته وَمَعْرِفَة مَا يَنْبَغِي لجلاله وَمَا يتعالى ويتقدس عَنهُ وَمَعْرِفَة أمره وَدينه والتمييز بَين مواقع رِضَاهُ وَسخطه واستفراغ الوسع فِي التَّقْرِيب إِلَيْهِ وامتلاء الْقلب بمحبته بِحَيْثُ يكون سُلْطَان حبه قاهرا لكل محبَّة وَلَا سَعَادَة للْعَبد فِي دُنْيَاهُ وَلَا أخراه إِلَّا بذلك وَلَا كَمَال للروح بِدُونِ ذَلِك

الْبَتَّةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي خلق لَهُ بل وَأُرِيد مِنْهُ بل ولأجله خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض واتخذت الْجنَّة وَالنَّار كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره من أَكثر من مائَة وَجه أَن شَاءَ الله

وَمَعْلُوم أَنه لَيْسَ عِنْد الْقَوْم من هَذَا خبر بل هم فِي وَاد وَأهل الشَّأْن فِي وَاد وَهَذَا هُوَ الدّين الَّذِي الَّذِي أَجمعت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ من أَوَّلهمْ إِلَيّ خاتمتهم كلهم جَاءَ بِهِ وَأخْبر عَن الله أَنه دينه الَّذِي رضيه لِعِبَادِهِ وشرعه لَهُم وَأمرهمْ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت} وَقَالَ تَعَالَى وَمَا أرسلنَا من قبلك رَسُولا إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا اله إِلَّا أَنا فاعبدون

<<  <  ج: ص:  >  >>