للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متقن الا من صانع قَادر مُخْتَار مُدبر عليم بِمَا يُرِيد قَادر عَلَيْهِ لَا يعجزه وَلَا يؤؤده قيل لَك فَإِذا اقررت وَيحك بالخلاق الْعَظِيم الَّذِي لَا اله غَيره وَلَا رب سواهُ فدع تَسْمِيَته طبيعة اوعقلا فعالا اَوْ مُوجبا بِذَاتِهِ وَقل هَذَا هُوَ الله الْخَالِق البارئ المصور رب الْعَالمين وقيوم السَّمَوَات والارضين وَرب الْمَشَارِق والمغارب الَّذِي احسن كل شَيْء خلقه واتقن مَا صنع فمالك جحدت اسماءه وَصِفَاته وذاته اضفت صَنِيعه الى غَيره وخلقه الى سواهُ مَعَ انك مُضْطَر الى الاقرار بِهِ إِضَافَة الابداع والخلق والربوبية وَالتَّدْبِير اليه وَلَا بُد وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين على انك لَو تَأَمَّلت قَوْلك طبيعة وَمعنى هَذِه اللَّفْظَة لدلك على الْخَالِق الباريء لَفظهَا كَمَا دلّ الْعُقُول عَلَيْهِ مَعْنَاهَا لَان طبيعة فعيلة بِمَعْنى مفعولة أَي مطبوعة وَلَا يحْتَمل غيرهذا الْبَتَّةَ لانها على بِنَاء الغرائز الَّتِي ركبت فِي الْجِسْم وَوضعت فِيهِ كالسجية والغريزة والبحيرة والسليقة والطبيعة فَهِيَ الَّتِي طبع عَلَيْهَا الْحَيَوَان وطبعت فِيهِ وَمَعْلُوم ان طبيعة من غير طَابع لَهَا محَال فقد دلّ لفظ الطبيعة على البارئ تَعَالَى كَمَا دلّ مَعْنَاهَا عَلَيْهِ والمسلمون يَقُولُونَ ان الطبيعة خلق من خلق الله مسخر مربوب وَهِي سنته فِي خليقته الَّتِي اجراها عَلَيْهِ ثمَّ انه يتَصَرَّف فِيهَا كَيفَ شَاءَ وكما شَاءَ فيسلبها تاثيرها إِذا اراد ويقلب تأثيرها الى ضِدّه إِذا شَاءَ ليرى عباده أَنه وَحده الْخَالِق البارئ المصور وَأَنه يخلق مَا يَشَاء كَمَا يَشَاء وَإِنَّمَا امْرَهْ إِذا اراد شَيْئا ان يَقُول لَهُ كن فَيكون وَإِن الطبيعة الَّتِي انْتهى نظر الخفافيش اليها إِنَّمَا هِيَ خلق من خلقه بِمَنْزِلَة سَائِر ملخوقاته فَكيف يحسن بِمن لَهُ حَظّ من انسانية اوعقل ان ينسى من طبعها وخلقها ويحيل الصنع والابداع عَلَيْهَا وَلم يزل الله سُبْحَانَهُ يسلبها قوتها ويحيلها ويقلبها الى ضد مَا جعلت لَهُ حَتَّى يرى عباده انها خلقه وصنعه مسخرة بامره {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين}

فصل فاعد النّظر فِي نَفسك وَتَأمل حِكْمَة اللَّطِيف الْخَبِير فِي تركيب الْبدن

وَوضع هَذِه الاعضاء موَاضعهَا مِنْهُ واعدادها لما اعدت لَهُ وإعداد هَذِه الاوعية الْمعدة لحمل الفضلات وَجَمعهَا لكيلا تَنْتَشِر فِي الْبدن فتفسده ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي تنميتك وَكَثْرَة اجزائك من غير تفكيك وَلَا تَفْصِيل وَلَو ان صائغا اخذ تمثالا من ذهب اَوْ فضَّة اَوْ نُحَاس فَأَرَادَ ان يَجعله اكبر مِمَّا هُوَ هَل كَانَ يُمكنهُ ذَلِك الا بعد ان يكسرهُ ويصوغه صياغة اخرى والرب تَعَالَى ينمي جسم الطِّفْل واعضاءه الظَّاهِرَة والباطنة وَجَمِيع اجزائه وَهُوَ بَاقٍ ثَابت على شكله وهيئته لَا يتزايل وَلَا يَنْفَكّ وَلَا ينقص وأعجب من هَذَا كُله تَصْوِيره فِي الرَّحِم حَيْثُ لاتراه الْعُيُون وَلَا تلمسه الايدي وَلَا تصل اليه الالات فَيخرج بشرا سويا مُسْتَوْفيا لكل مَا فِيهِ مصْلحَته وقوامه

<<  <  ج: ص:  >  >>