للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معتنون بأَمْره وَهَذَا لَا يدل على صِحَّته فَهَذَا السحر لم يزل فِي الْعَالم من يشْتَغل بِهِ ويتطلبه أعظم من اشْتِغَاله بالنجوم وَطَلَبه لَهَا بِكَثِير وتأثيره فِي النَّاس ممالا يُنكر أَفَكَانَ هَذَا دَلِيلا على صِحَّته وَهَذِه الْأَصْنَام لم تزل تعبد فِي الأَرْض من قبل نوح وَإِلَى الْآن وَلها الهياكل المبنية والسدنة وَلها الجيوش الَّتِى تقَاتل عَنْهَا وتحارب لَهَا وتختار الْقَتْل والسبي وعقوبة الله تَعَالَى وَلَا تنتهى عَنْهَا أفيدل هَذَا على صِحَة عباداتها وَإِن عبادها على الْحق وَمن الْعجب قَوْله لَو كَانَ هَذَا الْعلم فَاسِدا لاستحال أطباق أهل الْمشرق وَالْمغْرب من أول بِنَاء الْعَالم إِلَى آخِره عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْفِرْيَة أبلغ من هَذَا وَلَا فِي الْبُهْتَان أَتَرَى هَذَا الرجل مَا وقف على تأليف لأحد من أهل الْمشرق وَالْمغْرب فِي إبِْطَال هَذَا الْعلم وَالرَّدّ على أَهله فقد رَأينَا نَحن وغيرنا مَا يزِيد على مائَة مُصَنف فِي الرَّد على أَهله وَإِبْطَال أَقْوَالهم وَهَذِه كتبهمْ بأيدي النَّاس وَكثير مِنْهَا للفلاسفة الَّذين يعظمهم هَؤُلَاءِ ويرون أَنهم خُلَاصَة الْعَالم كالفارابي وَابْن سينا وَأبي البركات الأوحد وَغَيرهم وَقد حكينا كَلَامهم وَأما الردود فِي ضمن الْكتب حِين يرد على أهل المقالات فَأكْثر من أَن تذكر ولعلها أَن تزيد على عدَّة الْألف تَجِد فِي كل كتاب مِنْهَا الرَّد على هَؤُلَاءِ وَإِبْطَال مَذْهَبهم ونسبتهم إِلَى الْكَذِب والزرق وَلَو أَن مُقَابلا قابله وَقَالَ لَو كَانَ هَذَا الْعلم صَحِيحا لاستحال إطباق أهل الْمشرق وَالْمغْرب على رده وأبطاله لَكَانَ قَوْله من جنس قَوْله وَلَكِن أهل الْمشرق فيهم هَذَا وَهَذَا كَمَا يشْهد بِهِ الْحس والتواريخ الْقَدِيمَة والحديثة وَلَقَد رَأينَا من الردود الْقَدِيمَة قبل قيام الْإِسْلَام على هَؤُلَاءِ مَا يدل على أَن الْعُقَلَاء لم يزَالُوا يشْهدُونَ عَلَيْهِم بِالْجَهْلِ وَفَسَاد الْمَذْهَب وينسبونهم إِلَى الدَّعَاوَى الكاذبة والآراء الْبَاطِلَة الَّتِى لَيْسَ مَعَ أَصْحَابهَا إِلَّا القَوْل بِلَا علم ٠

فصل وَأما مَا ذكره فِي أَمر الطالع عَن الْفرس وَأَنَّهُمْ كَانُوا يعتنون بطالع

مسْقط النُّطْفَة وَهُوَ طالع الأَصْل ثمَّ يحكم بِمُوجبِه حَتَّى يحكم بِعَدَد السَّاعَات الَّتِى يمكثها الْوَلَد فِي بطن أمه فَهَذَا من الْكَذِب والبهت وَمن أَرَادَ أَن يختبر كذبه فليجربه فَإِن تجربة مثل هَذَا لَيست بِمَشَقَّة وَلَا عسرة ثمَّ إِن هَذَا الواطىء لَا علم لَهُ وَلَا لأحد أَن الْوَلَد إِنَّمَا يخلق من أول وَطئه الَّذِي أنزل فِيهِ دون مَا بعده وَإِن فرض أَنه أمسك عَن وَطئهَا بعد الْمرة الأولى وحبسها بِحَيْثُ يتَيَقَّن أَن غَيره لم يقربهَا وَهَذَا فِي غَايَة الندرة لم يُمكن المنجم أَن يعلم أَحْوَال ذَلِك الْمَوْلُود وَلَا تفاصيل أمره الْبَتَّةَ ومدعى ذَلِك مجاهر بِالْكَذِبِ والبهت وَقد اعْترف الْقَوْم بِأَن طالع الْولادَة مستعار لَا يُفِيد شَيْئا لِأَن الْوَلَد لَا يحدث فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِنَّمَا ينْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان وَقد اعْتَرَفُوا بِأَن ضَبطه متعسر جدا بل مُتَعَذر فَإِن فِي اللحظة الْوَاحِدَة من اللحظات تَتَغَيَّر نصبة الْفلك تغيرا لَا يضْبط وَلَا يُحْصِيه

<<  <  ج: ص:  >  >>