للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا الله وَلَا ريب أَن الطالع يتَغَيَّر بذلك تغيرا عَظِيما لَا يُمكن ضَبطه وَقد اعْتَرَفُوا هم بِهَذَا وَأَن سَبَب هَذَا التَّفَاوُت يحِيل أحكامهم واعترفوا بِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى الِاحْتِرَاز من ذَلِك فأى وثوق لعاقل بِهَذَا الْعلم بعد هَذَا كُله وَقد بَينا أَن غَايَة هَذَا لوصح وَسلم من الْخلَل جَمِيعه وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ لَكَانَ جُزْء السَّبَب وَالْعلَّة وَالْحكم لَا يُضَاف إِلَى جُزْء سَببه ثمَّ لَو كَانَ سَببا تَاما فصوارفه وموانعه لَا تدخل تَحت الضَّبْط الْبَتَّةَ وَالْحكم إِنَّمَا يُضَاف إِلَى وجود سَببه التَّام وانتقاء مانعه وَهَذِه الْأَسْبَاب والموانع مِمَّا لاتدخل تَحت حصر وَلَا ضبط إِلَّا لمن أحصى كل شَيْء عددا وأحاط بِكُل شَيْء علما لَا إِلَه هُوَ علام الغيوب فَلَو ساعدناهم على صِحَة أصُول هَذَا الْعَالم وقواعده لكَانَتْ أحكامهم بَاطِلَة وَهِي أَحْكَام بِلَا علم لما ذَكرْنَاهُ من تعذر الْإِحَاطَة بِمَجْمُوع الْأَسْبَاب وَانْتِفَاء الْمَوَانِع وَلِهَذَا كثيرا مَا يجمعُونَ على حكم من أحكامهم الكاذبه فَيَقَع الْأَمر بِخِلَافِهِ كَمَا تقدم

وَأما تِلْكَ الحكايات المتضمنة لإصابتهم فِي بعض الْأَحْوَال فليسبب بِأَكْثَرَ من الحكايات عَن أَصْحَاب الْكَشْف والفأل وزجر والطائر وَالضَّرْب بالحصى والطرق والعيافة وَالْكهَانَة والخط والحدس وَغَيرهَا من عُلُوم الْجَاهِلِيَّة وأعنى بالجاهلية كل من لَيْسَ من أَتبَاع الرُّسُل كالفلاسفة والمنجمين والكهان وجاهلية الْعَرَب الَّذين كَانُوا قبل النَّبِي فَأن هَذِه كَانَت علوما لقوم لَيْسَ لَهُم علم بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَمن هَؤُلَاءِ من يزْعم أَنه يَأْخُذ من الْحُرُوف علم الْمَكَان وَلَهُم فِي ذَلِك تصانيف وَكتب حَتَّى يَقُولُونَ إِذا أردْت معرفَة مَا فِي رُؤْيا السَّائِل من خير أَو شَرّ فَخذ أول حرف من كَلَامه الَّذِي يكلمك بِهِ وَفسّر رُؤْيَاهُ على معنى ذَلِك الْحَرْف فَإِن كَانَ أول مَا نطق بِهِ بَاء فرؤياه لِأَن الْبَاء من الْبَهَاء من الْخَيْر أَلا ترَاهَا فِي الْبر وَالْبركَة وبلوغ الآمال والبقاء والبشارة وَالْبَيَان وَالْبخْت فَإِذا كَانَ أول حرف من كَلَامه بَاء فَاعْلَم أَنه قد عاين مَا أبهاه وبشره من الْخيرَات وَإِن كَانَ أول كَلَامه تَاء فقد بشر بالتمام والكمال وَإِن كَانَ ثاء فبشره بالأثاث وَالْمَتَاع لقَوْله تَعَالَى هم أحسن أثاثا ورئيا ثمَّ قَالُوا فَعَلَيْك بِهَذِهِ الأحرف الثَّلَاثَة فَلَيْسَ شَيْء يَخْلُو مِنْهَا ويجاوزها وَإِذا تَأَمَّلت جهل هَؤُلَاءِ رايته شَدِيدا فَكيف حكمُوا على الْبَاء بالبهاء وَالْبركَة دون الْبَأْس والبغى والبين وَالْبَلَاء والبوار والبعد وَكَيف حكمُوا على الثَّاء بالأثاث دون الثّقل والثقل والشلب وَنَحْوه وَكَذَلِكَ استدلاله بِأول مَا يَقع بَصَره عَلَيْهِ كَمَا حكى عَن أبي معشر أَنه وقف هُوَ وَصَاحب لَهُ على وَاحِد من هَؤُلَاءِ وَكَانَا سائرين فِي خلاص مَحْبُوس فَسَأَلَاهُ فَقَالَ أَنْتُمَا فِي طلب خلاص مسجون فعجبا من ذَلِك فَقَالَ لَهُ أَبُو معشر هَل يخلص أم لَا فَقَالَا تذهبان تلتقيانه قد خلص فوجدا الْأَمر كَمَا قَالَ فاستدعاه أَبُو معشر وأكرمه وتلطف لَهُ فِي السُّؤَال عَن كَيْفيَّة علم ذَلِك فَقَالَ نَحن نَأْخُذ الفأل بِالْعينِ وَالنَّظَر فَينْظر أَحَدنَا إِلَى الأَرْض ثمَّ يرفع رَأسه فَأول شَيْء يَقع نظره عَلَيْهِ يكون الحكم بِهِ فَلَمَّا سألتماني كَانَ أول مَا رَأَيْت مَاء فِي قربَة فَقلت

<<  <  ج: ص:  >  >>