فصل وَمِنْهَا ان لله عز وَجل على الْقُلُوب انواعا من الْعُبُودِيَّة من الخشية
وَالْخَوْف والاشفاق وتوابعها من الْمحبَّة والانابة وابتغاء الْوَسِيلَة اليه وتوابعها وَهَذِه العبوديات لَهَا اسباب تهيجها وتبعث عَلَيْهَا فَكلما قيضه الرب تَعَالَى لعَبْدِهِ من الاسباب الباعثة على ذَلِك المهيجة لَهُ فَهُوَ من اسباب رَحمته لَهُ وَرب ذَنْب قد هاج لصَاحبه من الْخَوْف والاشفاق والوجل ولانابة والمحبة والايثار والفرار الى الله مَالا يهيجه لَهُ كثير من الطَّاعَات وَكم من ذَنْب كَانَ سَببا لِاسْتِقَامَةِ العَبْد وفراره الى الله وَبعده عَن طرق الغي وَهُوَ بِمَنْزِلَة من خلط فأحس بِسوء مزاجه وَكَانَ عِنْده اخلاط مزمنة قاتلة وَهُوَ لَا يشْعر بهَا فَشرب دَوَاء ازال تِلْكَ الاخلاط العفنة الَّتِي لَو دَامَت لترامت بِهِ الى الْفساد والعطب وان من تبلغ رَحمته ولطفه وبره بِعَبْدِهِ هَذَا الْمبلغ وَمَا هُوَ اعْجَبْ والطف مِنْهُ لحقيق بَان يكون الْحبّ كُله لَهُ والطاعات كلهَا لَهُ وان يذكر فَلَا ينسى ويطاع فَلَا يعْصى ويشكر فَلَا يكفر
فصل وَمِنْهَا انه يعرف العَبْد مِقْدَار نعْمَة معافاته وفضله فِي توفيقه لَهُ
وَحفظه إِيَّاه فَإِنَّهُ من تربى فِي الْعَافِيَة لَا يعلم مَا يقاسيه الْمُبْتَلى وَلَا يعرف مِقْدَار النِّعْمَة فَلَو عرف اهل طَاعَة الله انهم هم الْمُنعم عَلَيْهِم فِي الْحَقِيقَة وان الله عَلَيْهِم من الشُّكْر اضعاف مَا على غَيرهم وان تسودوا التُّرَاب ومضغوا الْحَصَى فهم اهل النِّعْمَة الْمُطلقَة وان من خلى الله بَينه وَبَين مَعَاصيه فقد سقط من عينه وَهَان عَلَيْهِ وان ذَلِك لَيْسَ من كرامته على ربه وان وسع الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَمد لَهُ من اسبابها فَإِنَّهُم اهل الِابْتِلَاء على الْحَقِيقَة فَإِذا طالبت العَبْد نَفسه بِمَا تطالبه من الحظوظ والاقسام وأرته انه فِي بلية وضائقة تَدَارُكه الله برحمته وابتلاه بِبَعْض الذُّنُوب فَرَأى مَا كَانَ فِيهِ من المعافاة وَالنعْمَة وَأَنه لَا نِسْبَة لما كَانَ فِيهِ من النعم الى مَا طلبته نَفسه من الحظوظ فَحِينَئِذٍ يكون اكثر أمانيه وآماله الْعود الى حَالَة وان يمنعهُ الله بعافيته