ليمسكه بصلابته وَهُوَ القصبة الَّتِي تكون فِي وسط الريشة وَهُوَ مَعَ ذَلِك اجوف يشْتَمل على الْهَوَاء فَيحمل الطَّائِر فَأَي طبيعة فِيهَا هَذِه الْحِكْمَة والخبرة واللطف ثمَّ لَو كَانَ ذَلِك فِي الطبيعة كَمَا يَقُولُونَ لكَانَتْ من ادل الدَّلَائِل واعظم الْبَرَاهِين على قدرَة مبدعها ومنشئها وَعلمه وحكمته فَإِنَّهُ لم يكن ذَلِك لَهَا من نَفسهَا بل إِنَّمَا هُوَ لَهَا مِمَّن خلقهَا وأبدعها فَمَا كذبه الْمُعَطل هُوَ اُحْدُ الْبَرَاهِين والايات الَّتِي على مثله يزْدَاد إِيمَان الْمُؤمنِينَ وَهَكَذَا آيَات الله يضل بهَا من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء
فصل تَأمل هَذَا الطَّائِر الطَّوِيل السَّاقَيْن وَأعرف الْمَنْفَعَة فِي طول سَاقيه
فَإِنَّهُ يرْعَى أَكثر مرعاه فِي ضحضاح المَاء فتراه يركز على سَاقيه كانه دست فَوق مركب ويتأمل مَا دب فِي المَاء فَإِذا رأى شَيْئا من حَاجته خطا خطوا رَفِيقًا حَتَّى يتَنَاوَلهُ وَلَو كَانَ قصير القائمتين كَانَ إِذا خطا نَحْو الصَّيْد ليأخذه لصق بَطْنه بِالْمَاءِ فيثيره ويذعر الصَّيْد مِنْهُ فيفر فخلف لَهُ ذَلِك العمودان ليدرك بهما حَاجته وَلَا يفسدعليه مطلبه وكل طَائِر فَلهُ نصيب من طول السَّاقَيْن والعنق ليمكنه تنَاول الطّعْم من الارض وَلَو طَال ساقاه وَقصرت عُنُقه لم يُمكنهُ ان يتَنَاوَل شَيْئا من الارض وَرُبمَا اعين مَعَ عُنُقه بطول المناقير لِيَزْدَادَ مطلبه سهولة عَلَيْهِ وامكانا ثمَّ تَأمل هَذِه العصافير كَيفَ تطلب اكلها بِالنَّهَارِ كُله فَلَا هِيَ تفقده وَلَا هِيَ تَجدهُ مجموعا معدا بل تناله بالحركة والطلب فِي الْجِهَات والنواحي فسبحان الَّذِي قدره ويسره كَيفَ لم يَجعله ممايتعذر عَلَيْهَا إِذا التمسته ويفوتها إِذا قعدت عَنهُ وَجعلهَا قادرة عَلَيْهِ فِي كل حِين واوان بِكُل ارْض وَمَكَان حَتَّى من الجدران والاسطحة والسقوف تنَاوله بالهوينا من السَّعْي فَلَا يشاركها فِيهِ غير بني جِنْسهَا من الطير وَلَو كَانَ ماتقتات بِهِ يُوجد معدا مجموعا كُله كَانَت الطير تشاركها فِيهِ وتغلبها عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو وجدته معدا مجموعا لاكبت عَلَيْهِ بحرص ورغبة فَلَا تقلع عَنهُ وَإِن شبعت حَتَّى تبشم وتهلك وَكَذَلِكَ النَّاس لَو جعل طعامهم معدا لَهُم بِغَيْر سعي وَلَا تَعب ادى ذَلِك الى الشره والبطنة ولكثر الْفساد وعمت الْفَوَاحِش وَالْبَغي فِي الارض فسبحان اللَّطِيف الْخَبِير الَّذِي لم يخلق شَيْئا سدى وَلَا عَبَثا وَانْظُر فِي هَذِه الطير الَّتِي لَا تخرج الا بِاللَّيْلِ كالبوم والهام والخفاش فَإِن أقواتها هيئت لَهَا فِي الجو لَا من الْحبّ وَلَا من اللَّحْم بل من البعوض والفراش وأشبابهما مِمَّا تلقطه من الجو فتاخذ مِنْهُ بِقدر الْحَاجة ثمَّ تأوى الى بيوتها فَلَا تخرج الى مثل ذَلِك الْوَقْت بِاللَّيْلِ وَذَلِكَ ان هَذِه الضروب من البعوض والفراش وأشباههما مبثوثة فِي الجو لَا يكَاد يخلوا مِنْهَا مَوضِع مِنْهُ وَاعْتبر ذَلِك بَان نضع سِرَاجًا بِاللَّيْلِ فِي سطح اَوْ عرصه الدَّار فيجتمع عَلَيْهِ من هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute