الضَّرْب شَيْء كثير وَهَذَا الضَّرْب من الْفراش وَنَحْوهَا نَاقص الفطنة ضَعِيف الْحِيلَة لَيْسَ فِي الطير اضعف مِنْهُ وَلَا اجهل وَفِيمَا يرى من تهافته فِي النَّار وانت تطرده عَنْهَا حَتَّى يحرق نَفسه دَلِيل على ذَلِك فَجعل معاش هَذِه الطُّيُور الَّتِي تخرج بِاللَّيْلِ من هَذَا الضَّرْب فتقتات مِنْهُ فَإِذا أَتَى النَّهَار انْقَطَعت الى اوكارها فالليل لَهَا بِمَنْزِلَة النَّهَار لغَيْرهَا من الطير ونهارها بِمَنْزِلَة ليل غَيرهَا وَمَعَ ذَلِك فساق لَهَا الَّذِي تكفل بارزاق الْخلق رزقها وخلقه لَهَا فِي الجو وَلم يَدعهَا بِلَا رزق مَعَ ضعفها وعجزها وَهَذِه إِحْدَى الحكم والفوائد فِي خلق هَذِه الْفراش وَالْجَنَادِب والبعوض فكم فِيهَا من رزق لَامة تسبح بِحَمْد رَبهَا وَلَوْلَا ذَلِك لانتشرت وكثرتحتى اضرت بِالنَّاسِ ومنعتهم الْقَرار فَانْظُر الى عَجِيب تَقْدِير الله وتدبيره كَيفَ اضْطر الْعُقُول الى ان شهِدت بربوبيته وَقدرته وَعلمه وحكمته وان ذَلِك الَّذِي تشاهده لَيْسَ بِاتِّفَاق وَلَا بإهمال من سَائِر وُجُوه الادلة الَّتِي لَا تتمكن الْفطر من جَحدهَا اصلا وَإِذ قد جرى الْكَلَام الى الخفاش فَهُوَ من الْحَيَوَانَات العجيبة الْخلقَة بَين خلقَة الطُّيُور وَذَوَات الاربع وَهُوَ الى ذَوَات الاربع اقْربْ فَإِنَّهُ ذُو اذنين ناشزتين واسنان ودبر وَهُوَ يلد ولدا ويرضع وَيَمْشي على ارْبَعْ وكل هَذِه صفة ذَوَات الاربع وَله جَنَاحَانِ يطير بهما مَعَ الطُّيُور وَلما كَانَ بَصَره يضعف عَن نور الشَّمْس كَانَ نَهَاره كليل غَيره فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس انْتَشَر وَمن ذَلِك سمى ضَعِيف الْبَصَر اخفش والخفش ضعف الْبَصَر وَلما كَانَ كَذَلِك جعل قوته من هَذِه الطُّيُور الضِّعَاف الَّتِي لَا تطير الا بِاللَّيْلِ وَقد زعم بعض من تكلم فِي الْحَيَوَان انه لَيْسَ يطعم شَيْئا وَإِنَّمَا غذاؤه من النسيم الْبَارِد فَقَط وَهَذَا كذب عَلَيْهِ وعَلى الْخلقَة لانه يَبُول وَقد تكلم الْفُقَهَاء فِي بَوْله هَل هُوَ نجس لانه بَوْل غير مَأْكُول اَوْ نجس مَعْفُو عَن يسيره لمَشَقَّة التَّحَرُّز مِنْهُ على قَوْلَيْنِ هما رِوَايَتَانِ عَن احْمَد وَبَعض الْفُقَهَاء لَا ينجس بَوْله بِحَال وَهَذَا اقيس الاقوال إِذْ لَا نَص فِيهِ وَلَا يَصح قِيَاسه على الابوال النَّجِسَة لعدم الْجَامِع الْمُؤثر ووضوح الْفرق وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع اسْتِيفَاء الْحجَج فِي هَذِه المسئلة من الْجَانِبَيْنِ وَالْمَقْصُود انه لَو كَانَ لَا ياكل شَيْئا لم يكن لَهُ اسنان اذ لَا معنى للاسنان فِي حق من لَا ياكل شَيْئا وَلِهَذَا لما عدم الطِّفْل الرَّضِيع الاكل لم يُعْط الاسنان فَلَمَّا كبر وَاحْتَاجَ للغذاء اعين عَلَيْهِ بالاسنان الَّتِي تقطعه والاضراس الَّتِي تطحنه وَلَيْسَ فِي الخليقة شَيْء مهمل وَلَا عَن الْحِكْمَة بمعطل وَلَا شَيْء لَا معنى لَهُ واما الحكم وَالْمَنَافِع فِي خلق الخفاش فقد ذكر مِنْهَا الاطباء فِي كتبهمْ مَا انْتَهَت اليه معرفتهم حَتَّى ان بَوْله يدْخل فِي بعض الاكحال فَإِذا كَانَ بَوْله الَّذِي لَا يخْطر بالبال فِيهِ مَنْفَعَة الْبَتَّةَ فَمَا الظَّن بجملته وَلَقَد اخبر بعض من اشْهَدْ بِصَدقَة انه رأى رخلا وَهُوَ طَائِر مَعْرُوف قد عشش فِي شَجَرَة فَنظر الى حَيَّة عَظِيمَة قد أَقبلت نَحْو عشه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute