الموطن مَا اعجبها وَمَا اعظم موقعها كَيفَ جَاءَت فمحقت من نَفسه الدعاوي والرعونات وانواع الاماني الْبَاطِلَة ثمَّ اوجبت لَهُ الْحيَاء والخجل من صَالح مَا عمل ثمَّ اوجبت لَهُ استكثار قَلِيل مَا يرد عَلَيْهِ من ربه لعلمه بِأَن قدره اصغر من ذَلِك وَأَنه لَا يسْتَحقّهُ واستقلال أَمْثَال الْجبَال من عمله الصَّالح بِأَن سيئاته وذنوبه تحْتَاج من المكفرات والماحيات الى أعظم من هَذَا فَهُوَ لَا يزَال محسنا وَعند نَفسه الْمُسِيء المذنب متكسرا ذللا خاضعا لَا يرْتَفع لَهُ رَأس وَلَا ينقام لَهُ صدر وَإِنَّمَا سَاقه إِلَى هَذَا الذل وَالَّذِي اورثه إِيَّاه مُبَاشرَة الذائب فَأَي شَيْء انفع لَهُ من هَذَا الدَّوَاء
لَعَلَّ عتبك مَحْمُود عواقبه ... وَرُبمَا صحت الاجسام بالعلل ونكتة هَذَا الْوَجْه ان العَبْد مَتى شهد صَلَاحه واستقامته شمخ بانفه وتعاظمت نَفسه وَظن انه وَأَنه أَي عَظِيما فَإِذا ابتلى بالذنب تصاغرت اليه نَفسه وذل وخضع وتيقن انه وَأَنه أَي عبدا ذليلا
فصل وَمِنْهَا ان العَبْد يعرف حَقِيقَة نَفسه وَأَنَّهَا الظالمة وان مَا صدر مِنْهَا
من شَرّ فقد صدر من اهله ومعدنه إِذْ الْجَهْل وَالظُّلم منبع الشَّرّ كُله وان كل مَا فِيهَا من خير وَعلم وَهدى وإنابة وتقوى فَهُوَ من رَبهَا تَعَالَى هُوَ الَّذِي زكاها بِهِ وَأَعْطَاهَا إِيَّاه لَا مِنْهَا فَإِذا لم يَشَأْ تَزْكِيَة العَبْد تَركه مَعَ دواعي ظلمه وجهله فَهُوَ تَعَالَى الَّذِي يزكّى من يَشَاء من النُّفُوس فتزكو وَتَأْتِي بأنواع الْخَيْر وَالْبر وَيتْرك تَزْكِيَة من يَشَاء مِنْهَا فتأتي بأنواع الشَّرّ والخبث وَكَانَ من دُعَاء النَّبِي اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقوها وزكها انت خير من زكاها انت وَليهَا ومولاها فَإِذا ابتلى الله العَبْد بالذنب عرف نَفسه ونقصها فرتب لَهُ على ذَلِك التَّعْرِيف حكم ومصالح عديدة مِنْهَا انه يانف من نَقصهَا ويجتهد فِي كمالها وَمِنْهَا أَنه يعلم فقرها دَائِما إِلَى من يتولاها ويحفظها وَمِنْهَا انه يستريح ويريح الْعباد من الرعونات والحماقات الَّتِي ادَّعَاهَا اهل الْجَهْل فِي انفسهم من قدم اَوْ اتِّصَال بالقديم اَوْ اتِّحَاد بِهِ اَوْ حُلُول فِيهِ اوغير ذَلِك من المحالات فلولا ان هَؤُلَاءِ غَابَ عَنْهُم شهودهم لنَقص انفسهم وحقيقتها لم يقعوا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ