للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل وَأما من عدم البيانين بَيَان الْقلب وَبَيَان اللِّسَان فَذَلِك بِمَنْزِلَة

الْحَيَوَانَات الْبَهِيمَة بل هِيَ احسن حَالا مِنْهُ فَإِن فِيهَا مَا خلقت لَهُ من الْمَنَافِع والمصالح الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا وَهَذَا يجهل كثيرا مِمَّا تهتدي اليه الْبَهَائِم ويلقى نَفسه فِيمَا تكف الْبَهَائِم انفسها عَنهُ وان عدم بَيَان اللِّسَان دون بَيَان الْقلب وَمن عدم خَاصَّة الانسان وَهِي النُّطْق اشتدت المؤمنة بِهِ وَعَلِيهِ وعظمت حسرته وَطَالَ تأسفه على رد الْجَواب وَرجع الْخطاب فَهُوَ كالمقعد الَّذِي يرى مَا هُوَ مُحْتَاج اليه وَلَا تمتد اليه يَده وَلَا رجله فكم لله على عَبده من نعْمَة سابغة فيهذه الاعضاء والجوارح والقوى وَالْمَنَافِع الَّتِي فِيهِ فَهُوَ لَا يلْتَفت اليها وَلَا يشْكر الله عَلَيْهَا وَلَو فقد شَيْئا مِنْهَا لتمنى انه لَهُ بالدنيا وَمَا عَلَيْهَا فَهُوَ يتقلب فِي نعم الله بسلامة اعضائه وجوارحه وَقواهُ وَهُوَ عَار من شكرها ولوعرضت عَلَيْهِ الدُّنْيَا مَا فِيهَا بِزَوَال وَاحِدَة مِنْهَا لابي الْمُعَاوضَة وَعلم انها مُعَاوضَة غبن ان الانسان لظلوم كفور

فصل ثمَّ تَأمل حكمته فِي الاعضاء الَّتِي خلقت فِيك آحادا ومثنى وَثَلَاث

وَربَاع وَمَا فِي ذَلِك من الحكم الْبَالِغَة فالراس وَاللِّسَان والانف وَالذكر خلق كل مِنْهُمَا وَاحِدًا فَقَط إذلا مصلحَة فِي كَونه اكثر من ذَلِك الا ترى انه لَو اضيف الى الراس راس آخر لاثقلا بدنه من غير حَاجَة اليه لَان جَمِيع الْحَواس الَّتِي يحْتَاج اليها مجتمعة فِي رَأس وَاحِد ثمَّ ان الانسان كَانَ يَنْقَسِم براسه قسمَيْنِ فَإِن تكلم من احدهما وَسمع بِهِ وابصر وشم وذاق بَقِي الاخر معطلا لَا أرب فِيهِ وَإِن تكلم وابصر وَسمع بهما مَعًا كلَاما وَاحِدًا وسمعا وَاحِدًا وبصرا وَاحِدًا كَانَ الاخر فَضله لَا فَائِدَة فِيهِ وَإِن اخْتلف إدراكهما اخْتلفت عَلَيْهِ احواله وإدراكاته وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَهُ لسانان فِي فَم وَاحِد فَإِن تكلم بهما كلَاما وَاحِدًا كَانَ احدهما ضائعا وان تكلم باحدهما دون الاخر فَكَذَلِك وان تكلم بهما مَعًا كلامين مُخْتَلفين خلط على السَّامع وَلم يدر باي الْكَلَامَيْنِ يَأْخُذ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَهُ هنوان وفمان لَكَانَ مَعَ قبح الْخلقَة احدهما فضلَة لَا مَنْفَعَة فِيهِ وَهَذَا بِخِلَاف الاعضاء الَّتِي خلقت مثنى كالعينين والاذنين والشفتين وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ والساقين والفخذين والوركين والثديين فَإِن الْحِكْمَة فِيهَا ظَاهِرَة والمصلحة بَينه وَالْجمال والزينة عَلَيْهَا بادية فَلَو كَانَ الانسان بِعَين وَاحِدَة لَكَانَ مُشَوه الْخلقَة ناقصها وَكَذَلِكَ الحاجبان وَأما اليدان وَالرجلَانِ والساقان والفخذان فتعددهما ضَرُورِيّ للانسان لَا تتمّ مصْلحَته الا بذلك الا ترى من قطعت احدى يَدَيْهِ اَوْ رجلَيْهِ كَيفَ تبقى حَاله وعجزه فَلَو ان النجار والخياط والحداد والخباز وَالْبناء واصحاب الصَّنَائِع الَّتِي لَا تتأتى الا باليدين شلت يَد احدهما لتعطلت عَلَيْهِ صَنعته فاقتضت الْحِكْمَة

<<  <  ج: ص:  >  >>