للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا حرم بخلا مِنْهُ عَلَيْهِم وَهُوَ الْجواد الْكَرِيم بل أمره وَنَهْيه عين حظهم وسعادتهم العاجلة والآجلة ومصدر أمره وَنَهْيه رَحمته الواسعة وبره وجوده وإحسانه وإنعامه فَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل لكَمَال حكمته وَعلمه وَوُقُوع أَفعاله على وفْق الْمصلحَة وَالرَّحْمَة وَالْحكمَة وَقَالَ تَعَالَى أم لم يعرفوا رسولهم فهم لَهُ منكرون أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون وَلَو اتبع الْحق أهواءهم لفسدت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ بل آتَيْنَاهُم بذكرهم فهم عَن ذكرهم معرضون فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن الْحق لَو اتبع أهواء الْعباد فجَاء شرع الله وَدينه بأهوائهم لفسدت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَمَعْلُوم أَن عِنْد النفاة يجوز أَن يرد شرع الله وَدينه بأهواء الْعباد وَأَنه لَا فرق فِي نفس الْأَمر بَين مَا ورد بِهِ وَبَين مَا تَقْتَضِيه أهواؤهم إِلَّا مُجَرّد الْأَمر وَإنَّهُ لَو ورد بأهوائهم جَازَ وَكَانَ تعبدا ودينا وَهَذِه مُخَالفَة صَرِيحَة لِلْقُرْآنِ وَإنَّهُ من الْمحَال أَن يتبع الْحق أهوائهم وَأَن أهواءهم مُشْتَمِلَة على قبح عَظِيم لَو ورد الشَّرْع بِهِ لفسد الْعَالم أَعْلَاهُ وأسفله وَمَا بَين ذَلِك وَمَعْلُوم أَن هَذَا الْفساد إِنَّمَا يكون لقبح خلاف مَا شَرعه الله وَأمر بِهِ ومنافاته لصلاح الْعَالم عُلْوِيَّهُ وسفليه وَإِن خراب الْعَالم وفساده لَازم لحصوله ولشرعه وَأَن كَمَال حِكْمَة الله وَكَمَال علمه وَرَحمته وربو بَيته يَأْبَى ذَلِك وَيمْنَع مِنْهُ وَمن يَقُول الْجَمِيع فِي نفس الْأَمر سَوَاء يجوز وُرُود التَّعَبُّد بِكُل شَيْء سَوَاء كَانَ من مُقْتَضى أهوائهم أَو خلَافهَا ٠

وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا فسبحان الله رب الْعَرْش} أَي لَو كَانَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض آلِهَة تعبد غير الله لفسدتا وبطلتا وَلم يقل أَرْبَاب بل قَالَ آلِهَة والإله هُوَ المعبود المألوه وَهَذَا يدل على أَنه من الْمُمْتَنع المستحيل عقلا أَن يشرع الله عبَادَة غَيره أبدا وَإنَّهُ لَو كَانَ مَعَه معبود سواهُ لفسدت السَّمَاوَات وَالْأَرْض فقبح عبَادَة غَيره قد اسْتَقر فِي الْفطر والعقول وَأَن لم يرد النَّبِي عَنهُ شرع بل الْعقل يدل على أَنه أقبح الْقَبِيح على الْإِطْلَاق وَأَنه من الْمحَال أَن يشرعه الله قطّ فصلاح الْعَالم فِي أَن يكون الله وَحده هُوَ المعبود وفساده وهلاكه فِي أَن يعبد مَعَه غَيره ومحال أَن يشرع لِعِبَادِهِ مَا فِيهِ فَسَاد الْعَالم وهلاكه بل هُوَ المنزه عَن ذَلِك ٠

فصل وَقد أنكر تَعَالَى على من نسب إِلَى حكمته التَّسْوِيَة بَين الْمُخْتَلِفين

كالتسوية بَين الْأَبْرَار والفجار فَقَالَ تَعَالَى {أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار} وَقَالَ تَعَالَى أم حسب الَّذين اجتر حوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سَاءَ مَا يحكمون فَدلَّ على أَن هَذَا حكم سيء قَبِيح ينزه الله عَنهُ وَلم يُنكره سُبْحَانَهُ من جِهَة أَنه أخبر بِأَنَّهُ لَا يكون وَإِنَّمَا أنكرهُ من جِهَة قبحه فِي نَفسه وَإنَّهُ حكم

<<  <  ج: ص:  >  >>