للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاصطلاحات الْحَادِثَة وسبقت مَعَانِيهَا إِلَى قلبه فَلم يعرف سواهَا فَيسمع كَلَام الشَّارِع فيحمله على مَا أَلفه من الِاصْطِلَاح فَيَقَع بِسَبَب ذَلِك فِي الْفَهم عَن الشَّارِع مَا لم يردهُ بِكَلَامِهِ وَيَقَع من الْخلَل فِي نظره ومناظرته مَا يَقع وَهَذَا من أعظم أَسبَاب الْغَلَط عَلَيْهِ مَعَ قلَّة البضاعة من معرفَة نصوصه فأذا اجْتمعت هَذِه الْأُمُور مَعَ نوع فَسَاد فِي التَّصَوُّر أَو الْقَصْد أوهما مَا شِئْت من خبط وَغلط واشكالات واشتمالات وَضرب كَلَامه بعضه بِبَعْض وَإِثْبَات مَا نَفَاهُ وَنفي مَا أثْبته وَالله الْمُسْتَعَان

فصل وَأما قَضِيَّة المجذوم فَلَا ريب أَنه روى عَن النَّبِي أَنه قَالَ

فر من المجذوم فرارك من الْأسد وَأرْسل إِلَى ذَلِك المجذوم أَنا قد بايعناك فَارْجِع وَأخذ بيد مجذوم فوضعها فِي الْقَصعَة وَقَالَ كل ثِقَة بِاللَّه وتوكلا عَلَيْهِ وَلَا تنَافِي بَين هَذِه الْآثَار وَمن أحَاط علما بِمَا قدمْنَاهُ تبين لَهُ وَجههَا وَأَن غَايَة ذَلِك أَن مُخَالطَة المجذوم من أَسبَاب الْعَدْوى وَهَذَا السَّبَب يُعَارضهُ أَسبَاب آخر تمنع اقتضاءه فَمن أقواها التَّوَكُّل على الله والثقة بِهِ فَأَنَّهُ يمْنَع تَأْثِير ذَلِك السَّبَب الْمَكْرُوه وَلَكِن لَا يقدر كل وَاحِد من الْأمة على هَذَا فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مجانبة سَبَب الْمَكْرُوه والفرار والبعد مِنْهُ وَلذَلِك أرسل إِلَى ذَلِك المجذوم الآخر بالبيعة تشريعا مِنْهُ للفرار من أَسبَاب الْأَذَى وَالْمَكْرُوه وَأَن لَا يتَعَرَّض العَبْد لأسباب الْبلَاء ثمَّ وضع يَده مَعَه فِي الْقَصعَة فَإِنَّمَا هُوَ سَبَب التَّوَكُّل على الله والثقة بِهِ الَّذِي هُوَ من أعظم الْأَسْبَاب الَّتِي يدْفع بهَا الْمَكْرُوه والمحذور تَعْلِيما مِنْهُ للْأمة دفع الْأَسْبَاب الْمَكْرُوهَة بِمَا هُوَ أقوى مِنْهَا وإعلاما بِأَن الضَّرَر والنفع بيد الله عز وَجل فَإِن شَاءَ أَن يضر عَبده ضره وَإِن شَاءَ أَن يصرف عَنهُ الضّر صرقه بل إِن شَاءَ أَن يَنْفَعهُ بِمَا هُوَ من أَسبَاب الضَّرَر ويضره بِمَا هُوَ من أَسبَاب النَّفْع فعل ليتبين الْعباد أَنه وَحده الضار النافع وَأَن أَسبَاب الضّر والنفع بيدَيْهِ وَهُوَ الَّذِي جعلهَا أسبابا وَإِن شَاءَ خلع مِنْهَا سببيتها وان شَاءَ جعل مَا تَقْتَضِيه بِخِلَاف الْمَعْهُود مِنْهَا ليعلم أَنه الْفَاعِل الْمُخْتَار وَأَنه لَا يضر شَيْء وَلَا ينفع إِلَّا بِإِذْنِهِ وَأَن التَّوَكُّل عَلَيْهِ والثقة بِهِ تحيل الْأَسْبَاب الْمَكْرُوهَة إِلَى خلاف موجباتها وتبيين مرتبتها وَأَنَّهَا محَال لمجارى مَشِيئَة الله وحكمته وَأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يضْربهَا وينفع لَيْسَ إِلَيْهَا وَلَا لَهَا من الْأَمر شَيْء وَأَن الْأَمر كُله لله وَأَنَّهَا إِنَّمَا ينَال ضررها من علق قلبه بهَا ووقف عِنْدهَا وَتَطير بِمَا يتطير بِهِ مِنْهَا فَذَلِك الَّذِي يُصِيبهُ مَكْرُوه الطَّيرَة والطيرة سَبَب للمكروه على المتطير فَإِذا توكل على الله ووثق بِهِ واستعان بِهِ لم يصده التطير عَن حَاجته وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْت وَلَا يذهب بالسيئات إِلَّا أَنْت وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك فَإِنَّهُ لَا يضرّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>