للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستدير منبسط واصابع يتَمَكَّن بهَا من الْقَبْض والبسط والطي والنشر وَالْجمع والتفريق وَضم الشَّيْء الى مثله وَالْحَيَوَان البهيم لما لم يتهيأ لتِلْك الصَّنَائِع لم يخلق لَهُ تِلْكَ الاكف والاصابع بل لما قدر ان يكون غذَاء بَعْضهَا من صَيْده كالسباع خلق لَهُ اكف لطافه مدمجة ذَوَات براثن ومخالب تصلح لاقتتاص الصَّيْد وَلَا تصلح للصناعات هَذَا كُله فِي أَكلَة اللَّحْم من الْحَيَوَان واما اكله النَّبَات فَلَمَّا قدر انها لاتصطاد وَلَا صَنْعَة لَهَا خلق لبعضها اظلافا تقيها خشونة الارض إِذا جالت فِي طلب المرعي ولبعضها حوافر ململمة مقعرة كأخمص الْقدَم لتنطبق على الارض وتهيأ للرُّكُوب والحمولة وَلم يخلق لَهَا براثن وَلَا انيابا لَان غذاءها لَا يحْتَاج الى ذَلِك

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي خلقَة الْحَيَوَان الَّذِي يَأْكُل اللَّحْم من الْبَهَائِم

كَيفَ جعلت لَهُ اسنان حداد وبراثن شَدَّاد واشداق مهرونة وافواه وَاسِعَة واعينت بأسلحة وأدوات تصلح للصَّيْد والاكل وَلذَلِك تَجِد سِبَاع الطير ذَوَات مناقير حداد ومخالب كالكلاليب وَلِهَذَا حرم النَّبِي كل ذِي نَاب من السبَاع ومخلب من الطير لضرره وعدوانه وشره والمغتذى شَبيه بالغاذيفلو اغتذى بهَا الانسان لصار فِيهِ من اخلاقها وعدوانها وشرها مَا يشابهها بِهِ فَحرم على الامة اكلها وَلم يحرم عَلَيْهِم الضبع وان كَانَ ذَا نَاب فَإِنَّهُ لَيْسَ من السبَاع عِنْد اُحْدُ من الامم وَالتَّحْرِيم إِنَّمَا كَانَ لما تضمن الوصفين ان يكون ذَا نَاب وان يكون من السبَاع وَلَا يُقَال هَذَا ينْتَقض بالسبع إِذا لم يكن لَهُ نَاب لَان هَذَا لم يُوجد أبدا فصلوات الله وَسَلَامه على من اوتي جَوَامِع الْكَلم فأوضح الاحكام وَبَين الْحَلَال وَالْحرَام فَانْظُر حِكْمَة الله عز وَجل فِي خلقه وامره فِيمَا خلقه وَفِيمَا شَرعه تَجِد مصدر ذَلِك كُله الْحِكْمَة الْبَالِغَة الَّتِي لَا يخْتل نظامها وَلَا ينخرم ابدا وَلَا يخْتل اصلا وَمن النَّاس من يكون حَظه من مُشَاهدَة حِكْمَة الامر اعظم من مُشَاهدَة حِكْمَة الْخلق وَهَؤُلَاء خَواص الْعباد الَّذين عقلوا عَن الله امْرَهْ وَدينه وَعرفُوا حكمته فِيمَا احكمه وَشهِدت فطنهم وعقولهم ان مصدر ذَلِك حِكْمَة بَالِغَة واحسان ومصلحة اريدت بالعباد فِي معاشهم ومعادهم وهم فِي ذَلِك دَرَجَات لَا يحصيها الا الله وَمِنْهُم من يكون حَظه من مُشَاهدَة حِكْمَة الْخلق اوفر من حَظه من حِكْمَة الامر وهم أَكثر الاطباء الَّذين صرفُوا افكارهم الى اسْتِخْرَاج مَنَافِع النَّبَات وَالْحَيَوَان وقواها وَمَا تصلح لَهُ مُفْردَة ومركبة وَلَيْسَ لَهُم نصيب فِي حِكْمَة الامر إِلَّا كَمَا للفقهاء من حِكْمَة الْخلق بل اقل من ذَلِك وَمِنْهُم من فتح عَلَيْهِ بمشاهدة الْخلق وَالْأَمر بِحَسب استعداده وقوته فَرَأى الْحِكْمَة الباهرة الَّتِي بهرت الْعُقُول فِي هَذَا وَهَذَا فَإِذا نظر الى خلقه وَمَا فِيهِ من الحكم ازْدَادَ إِيمَانًا وَمَعْرِفَة وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَت

<<  <  ج: ص:  >  >>