الَّذِي جعل كَلَامه حَيَاة للقلوب وشفاء لما فِي الصُّدُور وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا شَيْء أَنْفَع للقلب من قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر والتفكر فَإِنَّهُ جَامع لجَمِيع منَازِل السائرين واحوال العاملين ومقامات العارفين وَهُوَ الَّذِي يُورث الْمحبَّة والشوق وَالْخَوْف والرجاء والانابة والتوكل وَالرِّضَا والتفويض وَالشُّكْر وَالصَّبْر وَسَائِر الاحوال الَّتِي بهَا حَيَاة الْقلب وكماله وَكَذَلِكَ يزْجر عَن جَمِيع الصِّفَات والافعال المذمومة وَالَّتِي بهَا فَسَاد الْقلب وهلاكه فَلَو علم النَّاس مَا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر لاشتغلوا بهَا عَن كل مَا سواهَا فَإِذا قَرَأَهُ بتفكر حَتَّى مر بِآيَة وَهُوَ مُحْتَاجا إِلَيْهَا فِي شِفَاء قلبه كررها وَلَو مائَة مرّة وَلَو لَيْلَة فقراءة آيَة بتفكر وتفهم خير من قِرَاءَة ختمة بِغَيْر تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى الى حُصُول الايمان وذوق حلاوة الْقُرْآن وَهَذِه كَانَت عَادَة السّلف يردد احدهم الاية الى الصَّباح وَقد ثَبت عَن النَّبِي انه قَامَ بِآيَة يُرَدِّدهَا حَتَّى الصَّباح وَهِي قَوْله {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} فقراءة الْقُرْآن بالتفكر هِيَ اصل صَلَاح الْقلب وَلِهَذَا قَالَ ابْن مَسْعُود لاتهذوا الْقُرْآن هَذَا الشّعْر وَلَا تنثروه نثر الدقل وقفُوا عِنْد عجائبه وحركوا بِهِ الْقُلُوب لَا يكن هم احدكم آخر السُّورَة وروى ابو ايوب عَن ابي جَمْرَة قَالَ قلت لِابْنِ عَبَّاس اني سريع الْقِرَاءَة إِنِّي اقرا الْقُرْآن فِي ثَلَاث قَالَ لَان اقْرَأ سُورَة من الْقُرْآن فِي لَيْلَة فأتدبرها وأرتلها احب الي من ان اقْرَأ الْقُرْآن كَمَا تقْرَأ والتفكر فِي الْقُرْآن نَوْعَانِ تفكر فِيهِ ليَقَع على مُرَاد الرب تَعَالَى مِنْهُ وتفكر فِي مَعَاني مَا دَعَا عباده الى التفكر فِيهِ فالاول تفكر فِي الدَّلِيل القرآني وَالثَّانِي تفكر فِي الدَّلِيل العياني الاول ففكر فِي آيَاته المسموعة وَالثَّانِي تفكر فِي آيَاته المشهودة وَلِهَذَا انْزِلْ الله الْقُرْآن ليتدبر ويتفكر فِيهِ وَيعْمل بِهِ لَا لمُجَرّد تِلَاوَته مَعَ الاعراض عَنهُ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ انْزِلْ الْقُرْآن ليعْمَل بِهِ فاتخذوا تِلَاوَته عملا
فصل وَإِذا تَأَمَّلت مَا دعى الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه عباده الى الْفِكر فِيهِ
اوقعك على الْعلم بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبوحدانيته وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله من عُمُوم قدرته وَعلمه وَكَمَال حكمته وَرَحمته واحسانه وبره ولطفه وعدله وَرضَاهُ وغضبه وثوابه وعقابه فَبِهَذَا تعرف الى عباده وندبهم الى التفكر فِي آيَاته وَنَذْكُر لذَلِك امثلة مِمَّا ذكرهَا الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه يسْتَدلّ بهَا على غَيرهَا فَمن ذَلِك خلق الانسان وقدندب سُبْحَانَهُ الى التفكر فِيهِ وَالنَّظَر فِي غير مَوضِع من كِتَابه كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق} وَقَوله تَعَالَى {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} وَقَالَ تَعَالَى يايها النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة مخلقة وَغير مخلقة لنبين لكم ونقر فِي الارحام مَا نشَاء الى اجل مُسَمّى ثمَّ نخرجكم طفْلا ثمَّ لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل الْعُمر لكيلا يعلم من بعدعلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute