للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحر الشَّديد الى الْبرد الشَّديد فيجد اذاه ويعظم ضَرَره فَإِذا انْتقل اليه بتدريج وترتب لم يصعب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عِنْد كل جُزْء يستعد لقبُول مَا هُوَ اشد مِنْهُ حَتَّى تَأتي جَمْرَة الْبرد بعد استعداد وَقبُول حِكْمَة بَالِغَة وَآيَة باهرة وَكَذَلِكَ الرّبيع برزخ بَين الشتَاء والصيف ينْتَقل فِيهِ الْحَيَوَان من برد هَذَا الى حر هَذَا بتدريج وترتيب فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين واحسن الْخَالِقِينَ

فصل ثمَّ تَأمل حَال الشَّمْس وَالْقَمَر وَمَا اودعاه من النُّور والاضاءة وَكَيف

جعل لَهما بروجا ومنازل ينزلانها مرحلة بعد مرحلة لاقامة دولة السّنة وَتَمام مصَالح حِسَاب الْعَالم الَّذِي لَا غناء لَهُم فِي مصالحهم عَنهُ فبذلك يعلم حِسَاب الاعمار والاجال المؤجلة للديون والاجارات والمعاملات وَالْعدَد وَغير ذَلِك فلولا حلوك الشَّمْس وَالْقَمَر فِي تِلْكَ الْمنَازل وتنقلهما فِيهَا منزلَة بعدمنزلة لم يعلم شَيْء من ذَلِك وَقد نبه تَعَالَى على هَذَا فِي غير مَوضِع من كِتَابه كَقَوْلِه هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب مَا خلق الله ذَلِك الا بِالْحَقِّ يفصل الايات لقوم يعلمُونَ وَقَالَ تَعَالَى وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فمحونا آيَة اللَّيْل وَجَعَلنَا آيَة النَّهَار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكُم ولتعلموا عدد السنين والحساب

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي طُلُوع الشَّمْس على الْعَالم كَيفَ قدره الْعَزِيز

الْعَلِيم سُبْحَانَهُ فَإِنَّهَا لَو كَانَت تطلع فِي مَوضِع من السَّمَاء فتقف فِيهِ وَلَا تعدوه لما وصل شعاعها الى كثير من الْجِهَات لَان ظلّ اُحْدُ جَوَانِب كرة الارض يحجبها عَن الْجَانِب الاخر وَكَانَ يكون اللَّيْل دَائِما سرمدا على من لم تطلع عَلَيْهِم وَالنَّهَار سرمدا على من هِيَ طالعة عَلَيْهِم فَيفْسد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء فاقتضت الْحِكْمَة الالهية والعناية الربانية ان قدر طُلُوعهَا من اول النَّهَار من الْمشرق فتشرق على مَا قابلها من الافق الغربي ثمَّ لَا تزَال تَدور وتغشى جِهَة بعد جِهَة حَتَّى تَنْتَهِي الى الغرب فتشرق على مَا استتر عَنْهَا فِي اول النَّهَار فيختلف عِنْدهم اللَّيْل وَالنَّهَار فتنتظم مصالحهم

فصل ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي مقادير اللَّيْل وَالنَّهَار تجدها على غَايَة

الْمصلحَة وَالْحكمَة وان مِقْدَار الْيَوْم وَاللَّيْلَة لَو زَاد على مَا قدر عَلَيْهِ اَوْ نقص لفاتت الْمصلحَة وَاخْتلفت الْحِكْمَة بذلك بل جعل مكيالها اربعة وَعشْرين سَاعَة وَجعلا يتقارضان الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان بَينهمَا فَمَا يزِيد فِي احدهما من الاخر يعود الاخر فيسترده مِنْهُ قَالَ الله تَعَالَى يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَفِيه قَولَانِ احدهما ان الْمَعْنى يدْخل ظلمَة هَذَا فِي مَكَان ضِيَاء ذَلِك وضياء هَذَا فِي مَكَان ظلمَة الاخر فَيدْخل كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَوضِع صَاحبه وعَلى هَذَا فَهِيَ عَامَّة فِي كل ليل ونهار وَالْقَوْل الثَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>