وطرقا يَسُوق بهَا الْغذَاء الى كل عُضْو وَعظم وَعصب وَلحم وَشعر وظفر وَجعل الْمنَازل والابواب لادخال مَا ينفعك وَإِخْرَاج مَا يَضرك وَجعل الاوعية الْمُخْتَلفَة خَزَائِن تحفظ مَادَّة حياتك فَهَذِهِ خزانَة للطعام وَهَذِه خزانَة للحرارة وَهَذِه خَزَائِن للدم وَجعل مِنْهَا خَزَائِن مؤديات لِئَلَّا تختلط بالخزائن الاخر فَجعل خَزَائِن للمرة السَّوْدَاء وَأُخْرَى للمرة الصَّفْرَاء وَأُخْرَى للبول وَأُخْرَى للمنى فَتَأمل حَال الطَّعَام فِي وُصُوله الى الْمعدة وَكَيف يسرى مِنْهَا فِي الْبدن فَإِنَّهُ إِذا اسْتَقر فِيهَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ وانضمت فتطبخه وتجيد صَنعته ثمَّ تبعثه الى الكبد فِي مجار دقاق وَقد جعل بَين الكبد وَبَين تِلْكَ المجاري غشاء رَقِيقا كالمصفات الضيقة الابخاش تصفية فَلَا يصل الى الكبد مِنْهُ شَيْء غليظ خشن فينكؤها لَان الكبد رقيقَة لَا تحمل الغليظ فَإذْ قبلته الكبد انفذته الى الْبدن كُله فِي مجار مُهَيَّأ قلَّة بِمَنْزِلَة المجاري الْمعدة للْمَاء ليسلك فِي الارض فيعمها بالسقي ثمَّ يبْعَث مَا بَقِي من الْخبث والفضول الى مغايض ومصارف قد اعدت لَهَا فَمَا كَانَ من مرّة صفراء بعثت بِهِ الى المرارة وَمَا كَانَ من مرّة سَوْدَاء بعثت بِهِ الى الطحال وَمَا كَانَ من الرُّطُوبَة المائية بعثت بِهِ الى المثانة فَمن ذَا الَّذِي تولى ذلككله وأحكمه وَدبره وَقدره احسن تَقْدِير وَكَأَنِّي بك ايها الْمِسْكِين تَقول هَذَا كُله من فعل الطبيعة وَفِي الطبيعة عجائب واسرار فَلَو أَرَادَ الله ان يهديك لسالت نَفسك بِنَفْسِك وَقلت اخبريني عَن هَذِه الطبيعة اهي ذَات قَائِمَة بِنَفسِهَا لَهَا علم وقدرة على هَذِه الافعال العجيبة ام لَيست كَذَلِك بل عرض وَصفَة قَائِمَة بالمطبوع تَابِعَة لَهُ مَحْمُولَة فِيهِ فَإِن قَالَت لَك بل هِيَ ذَات قَائِمَة بِنَفسِهَا لَهَا الْعلم التَّام وَالْقُدْرَة والارادة وَالْحكمَة فَقل لَهَا هَذَا هُوَ الْخَالِق البارئ المصور فَلم تسمينه طبيعية وَيَا لله من ذكر الطبائع وَمن يرغب فِيهَا فَهَلا سميته بِمَا سمى بِهِ نَفسه على السن رسله وَدخلت فِي جملَة الْعُقَلَاء والسعداء فَإِن هَذَا الَّذِي وصفت بِهِ الطبيعة صفته تَعَالَى وَإِن قَالَت تِلْكَ بل الطبيعة عرض مَحْمُول مفتقر الى حَامِل وَهَذَا كُله فعلهَا بِغَيْر علم مِنْهَا وَلَا إِرَادَة وَلَا قدرَة وَلَا شُعُور اصلا وَقد شوهد من آثارها مَا شوهد فَقل لَهَا هَذَا مَالا يصدقهُ ذُو عقل سليم كَيفَ تصدر هَذِه الافعال العجيبة وَالْحكم الدقيقة الَّتِي تعجز عقول الْعُقَلَاء عَن مَعْرفَتهَا وَعَن الْقُدْرَة عَلَيْهَا مِمَّن لَا عقل لَهُ وَلَا قدرَة وَلَا حِكْمَة وَلَا شُعُور وَهل التَّصْدِيق بِمثل هَذَا إِلَّا دُخُول فِي سلك المجانين والمبرسمين ثمَّ قل لَهَا بعد وَلَو ثَبت لَك مَا ادعيت فمعلوم ان مثل هَذِه الصّفة لَيست بخالقة لنَفسهَا وَلَا مبدعة لذاتها فَمن رَبهَا ومبدعها وخالقها وَمن طبعها وَجعلهَا تفعل ذَلِك فَهِيَ إِذا من ادل الدَّلَائِل على بارئها وفاطرها وَكَمَال قدرته وَعلمه وحكمته فَلم يجد عَلَيْك تعطيلك رب الْعَالم وجحدك لصفاته وأفعاله الا مخالفتك الْعقل والفطرة وَلَو حاكمناك الى الطبيعة لرايناك انك خَارج عَن مُوجبهَا فَلَا انت مَعَ مُوجب الْعقل وَلَا الْفطْرَة وَلَا الطبيعة وَلَا الانسانية اصلا وَكفى بذلك جهلا وضلالا فَإِن رجعت الى الْعقل وَقلت لَا يُوجد حِكْمَة الا من حَكِيم قَادر عليم وَلَا تَدْبِير
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute