للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَكَلِّمين حَيْثُ قَالُوا أَن الْإِرَادَة لَا تتَعَلَّق إِلَّا بحادث وَأما الْقَدِيم فَكيف يكون مرَادا وخفى عَلَيْهِم الْفرق بَين الْإِرَادَة الغائبة والإرادة الفاعلية وَجعلُوا الارادتين وَاحِدَة وَالْمَقْصُود أَن هَؤُلَاءِ الفلاسفة لم يذكرُوا هَذَا فِي كَمَال النَّفس وانما جعلُوا كمالها فِي تَعْدِيل الشَّهْوَة وَالْغَضَب والشهوة هِيَ جلب مَا ينفع الْبدن وَيبقى النوغ وَالْغَضَب دفع مَا يضر الْبدن وَمَا تعرضوا لمراد الرّوح المحبوب لذاته وَجعلُوا كمالها العلمي فِي مُجَرّد الْعلم وغلطوا فِي ذَلِك من وُجُوه كَثِيرَة مِنْهَا أَن مَا ذَكرُوهُ لَا يُعْطي كَمَال النَّفس الَّذِي خلقت لَهُ كَمَا بَيناهُ وَمِنْهَا أَن مَا ذَكرُوهُ فِي كَمَال الْقُوَّة العملية إِنَّمَا غَايَته إصْلَاح الْبدن الَّذِي هُوَ آلَة النَّفس وَلم يذكرُوا كَمَال النَّفس الإرادي وَالْعَمَل بالمحبة وَالْخَوْف والرجاء وَمِنْهَا أَن كَمَال النَّفس فِي الْعلم والإرادة لَا فِي مُجَرّد الْعلم فان مُجَرّد الْعلم لَيْسَ بِكَمَال للنَّفس مَا لم تكن مريدة محبَّة لمن لَا سَعَادَة لَهَا إِلَّا بإرادته ومحبته فالعلم الْمُجَرّد لَا يُعْطي النَّفس كَمَا لَا مَا لم تقترن بِهِ الْإِرَادَة والمحبة وَمِنْهَا أَن الْعلم لَو كَانَ كمالا بِمُجَرَّدِهِ لم يكن مَا عِنْدهم من الْعلم كَمَا لَا للنَّفس فان غَايَة مَا عِنْدهم عُلُوم رياضية صَحِيحَة مصلحتها من جنس مصَالح الصناعات وَرُبمَا كَانَت الصناعات أصلح وأنفع من كثير مِنْهَا واما علم طبيعي صَحِيح غَايَته معرفَة العناصر وَبَعض خواصها وطبائعها وَمَعْرِفَة بعض مَا يتركب مِنْهَا وَمَا يَسْتَحِيل من الموجبات إِلَيْهَا وَبَعض مَا يَقع فِي الْعَالم من الْآثَار بامتزاجها واختلاطها وَأي كَمَال للنَّفس فِي هَذَا وَأي سَعَادَة لَهَا فِيهِ واما علم الهي كُله بَاطِل لم يوفقوا فِي الْإِصَابَة الْحق فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة

وَمِنْهَا أَن كَمَال النَّفس وسعادتها الْمُسْتَفَاد عَن الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم لَيْسَ عِنْدهم الْيَوْم مِنْهُ حس وَلَا خبر وَلَا عين وَلَا أثر فهم أبعد النَّاس من كمالات النُّفُوس وسعاداتها وَإِذا عرف ذَلِك وَأَنه لَا بُد للنَّفس من مُرَاد مَحْبُوب لذاته لَا يصلح إِلَّا بِهِ وَلَا يكمل إِلَّا بحبه وإيثاره وَقطع العلائق عَن غَيره وان ذَلِك هُوَ النِّهَايَة وَغَايَة مطلوبها ومرادها الَّذِي إِلَيْهِ يَنْتَهِي الطّلب فَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الله الَّذِي لَا اله إِلَّا هُوَ قَالَ تَعَالَى أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون وَلَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا وَلَيْسَ صَلَاح الْإِنْسَان وَحده وسعادته إِلَّا بذلك بل وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وكل حَيّ شَاعِر لاصلاح لَهُ إِلَّا بِأَن يكون الله وَحده ألهه ومعبوده وَغَايَة مُرَاده وسيمر بك أَن شَاءَ الله بسط القَوْل فِي ذَلِك واقامة الْبَرَاهِين على هَذَا الْمَطْلُوب الْأَعْظَم الَّذِي هُوَ غَايَة سَعَادَة النُّفُوس وأشرف مطالبها فلنرجع إِلَيّ مَا كُنَّا فِيهِ من بَيَان طرق النَّاس فِي مَقَاصِد الْعِبَادَات

الطَّرِيق الثَّانِي طَرِيق من يَقُول من الْمُعْتَزلَة وَمن تَابعهمْ أَن الله سُبْحَانَهُ عرضهمْ بهَا للثَّواب واستأجرهم بِتِلْكَ الْأَعْمَال للخير فعاوضهم عَلَيْهَا مُعَاوضَة قَالُوا والأنعام مِنْهُ فِي الْآخِرَة غير حسن لما فِيهِ من تَكْرِير مِنْهُ الْعَطاء ابْتِدَاء وَلما فِيهِ من الْإِخْلَال بالمدح وَالثنَاء والتعظيم الَّذِي لَا يسْتَحق إِلَّا بالتكليف وَمِنْهُم من يَقُول أَن الْوَاجِبَات الشَّرْعِيَّة لطف فِي الْوَاجِبَات

<<  <  ج: ص:  >  >>