للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغلب شَره على خَيره فَهَكَذَا الْأَعْمَال مِنْهَا مَا هُوَ خَالص الْمصلحَة وراجحها وخالص الْمفْسدَة وراجحها هَذَا فِي الْأَعْمَال كَمَا أَن ذَلِك فِي الْعمَّال قَالُوا وَقد قَالَ تَعَالَى فِي السَّحَرَة {ويتعلمون مَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ} فَهَذَا دَلِيل على أَنه مضرَّة خَالِصَة لَا مَنْفَعَة فِيهَا إِمَّا لِأَن بعض أَنْوَاعه مضرَّة خَالِصَة لَا مَنْفَعَة فِيهَا بِوَجْه فَمَا كل السحر يحصل غَرَض السَّاحر بل يتَعَلَّم مائَة بَاب مِنْهُ حَتَّى يحصل غَرَضه بَاب وَالْبَاقِي مضرَّة خَالِصَة وَقس على هَذَا فَهَذَا من الْقسم الْخَالِص الْمفْسدَة وَإِمَّا لِأَن الْمَنْفَعَة الْحَاصِلَة للساحر لما كَانَت مغمورة مستهلكة فِي جنب الْمفْسدَة الْعَظِيمَة فِيهِ جعلت كلا منفعَته فَيكون من الْقسم الرَّاجِح الْمفْسدَة وعَلى الْقَوْلَيْنِ فَكل مَأْمُور بِهِ فَهُوَ رَاجِح الْمصلحَة على تَركه وَإِن كَانَ مَكْرُوها للنفوس قَالَ تَعَالَى كتب عَلَيْكُم الْقِتَال وَهُوَ كره لكم وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خيرا لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شرا لكم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ فَبين أَن الْجِهَاد الَّذِي أمروا بِهِ وَإِن كَانَ مَكْرُوها للنفوس شاقا عَلَيْهَا فمصلحته راجحة وَهُوَ خير لَهُم وَأحمد عَاقِبَة وَأعظم فَائِدَة من التقاعد عَنهُ وإيثار الْبَقَاء والراحة فالشر الَّذِي فِيهِ مغمور بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تضمنه من الْخَيْر وَهَكَذَا كل مَنْهِيّ عَنهُ فَهُوَ رَاجِح الْمفْسدَة وَإِن كَانَ محبوبا للنفوس مُوَافقا للهوى فمضرته ومفسدته أعظم مِمَّا فِيهِ من الْمَنْفَعَة وَتلك الْمَنْفَعَة واللذة مغمورة مستهلكة فِي جنب مضرته كَمَا قَالَ تَعَالَى {وإثمهما أكبر من نفعهما} وَقَالَ وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شرا لكم وَفصل الْخطاب فِي المسئلة إِذا أُرِيد بِالْمَصْلَحَةِ الْخَالِصَة أَنَّهَا فِي نَفسهَا خَالِصَة من الْمفْسدَة لَا يشوبها مفْسدَة فَلَا ريب فِي وجودهَا وَإِن أُرِيد بهَا الْمصلحَة الَّتِي لَا يشوبها مشقة وَلَا أَذَى فِي طريقها والوسيلة إِلَيْهَا وَلَا فِي ذَاتهَا فَلَيْسَتْ بموجودة بِهَذَا الإعتبار إِذْ الْمصَالح والخيرات وَاللَّذَّات والكمالات كلهَا لَا تنَال إِلَّا بحظ من الْمَشَقَّة وَلَا يعبر إِلَيْهَا إِلَّا على جسر من التَّعَب وَقد أجمع عقلاء كل أمة على أَن النَّعيم لَا يدْرك بالنعيم وَإِن من آثر الرَّاحَة فَاتَتْهُ الرَّاحَة وَإِن بِحَسب ركُوب الْأَهْوَال وإحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة فَلَا فرحة لمن لَا هم لَهُ وَلَا لَذَّة لمن لَا صَبر لَهُ وَلَا نعيم لمن لَا شقاء لَهُ وَلَا رَاحَة لمن لَا تَعب لَهُ بل إِذا تَعب العَبْد قَلِيلا استراح طَويلا وَإِذا تحمل مشقة الصَّبْر سَاعَة قَادَهُ لحياة الْأَبَد وكل مَا فِيهِ أهل النَّعيم الْمُقِيم فَهُوَ صَبر سَاعَة وَالله الْمُسْتَعَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكلما كَانَت النُّفُوس أشرف والهمة أعلا كَانَ تَعب الْبدن أوفر وحظه من الرَّاحَة أقل كَمَا قَالَ المتنبي:

وَإِذا كَانَت النُّفُوس كبارًا ... تعبت فِي مرادها الْأَجْسَام

وَقَالَ ابْن الرُّومِي:

قلب يظل على أفكاره وئد ... تمْضِي الْأُمُور وَنَفس لهوها التَّعَب

وَقَالَ مُسلم فِي صَحِيحه قَالَ يحيى بن أبي كثير لَا ينَال الْعلم براحة الْبدن وَلَا ريب

<<  <  ج: ص:  >  >>