للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا وَعدم تأثيرها مَعًا وَهُوَ جمع بَين النقيضين لِأَنَّهَا إِذا بطلت لم تكن مُؤثرَة وَإِذا لم تكن مُؤثرَة لم تبطل غَيرهَا فَتكون كل مِنْهُمَا مُؤثرَة غير مُؤثرَة بَاطِلَة غير بَاطِلَة وَهَذَا محَال فَثَبت أَنَّهُمَا لَا بُد أَن تُؤثر إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى بقوتها فَيكون الحكم لَهَا

فَإِن قيل فَمَا تَقولُونَ فِيمَن توَسط أَرضًا مَغْصُوبَة ثمَّ بدا لَهُ فِي التَّوْبَة فَإِن أمرتموه باللبث فَهُوَ محَال وَإِن أمرتموه بقطعها وَالْخُرُوج من الْجَانِب الآخر فقد أمرتموه بالحركة وَالتَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر وَكَذَلِكَ إِن أمرتموه بِالرُّجُوعِ فَهُوَ حَرَكَة مِنْهُ وَتصرف فِي ارْض الْغَصْب فَهَذَا قد تَعَارَضَت فِيهِ الْمصلحَة والمفسدة فَمَا الحكم فِي هَذِه الصُّورَة وَكَذَلِكَ من توَسط بَين فِئَة مثبتة بالجراح منتظرين للْمَوْت وَلَيْسَ لَهُ انْتِقَال إِلَّا على أحدهم فَإِن أَقَامَ على من هُوَ فَوْقه قَتله وان انْتقل إِلَى غَيره قَتله فقد تَعَارَضَت هُنَا مصلحَة النقلَة ومفسدتها على السوَاء وَكَذَلِكَ من طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ مجامع فَإِن أَقَامَ أفسد صَوْمه وان نزع فالنزع من الْجِمَاع وَالْجِمَاع مركب من الحركتين فهاهنا أَيْضا قد تضادت العلتان وَكَذَلِكَ أَيْضا إِذا تترس الْكفَّار بأسرى من الْمُسلمين هم بِعَدَد الْمُقَاتلَة وَدَار الْأَمر بَين قتل الترس وَبَين الْكَفّ عَنهُ وَقتل الْكفَّار الْمُقَاتلَة الْمُسلمين فهاهنا أَيْضا قد تقابلت الْمصلحَة والمفسدة على السوَاء وَكَذَلِكَ أَيْضا إِذا ألْقى فِي مركبهم نَار وعاينوا الْهَلَاك بهَا فان أَقَامُوا احترقوا وان لجؤا إِلَى المَاء هَلَكُوا بِالْغَرَقِ وَكَذَلِكَ الرجل إِذا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت لَيْلَة عَرَفَة وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا مَا يسع قدر صَلَاة الْعشَاء فان اشْتغل بهَا فَاتَهُ الْوُقُوف وان اشْتغل بالذهاب إِلَى عَرَفَة فَاتَتْهُ الصَّلَاة فهاهنا تحد تَعَارَضَت المصلحتان والمفسدتان على السوَاء وَكَذَلِكَ الرجل إِذا اسْتَيْقَظَ قبل طُلُوع الشَّمْس وَهُوَ جنب وَلم يبْق من الْوَقْت إِلَّا مَا يسع قدرالغسل أَو الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ فان اغْتسل فَاتَتْهُ مصلحَة الصَّلَاة فِي الْوَقْت وَإِن صلى بِالتَّيَمُّمِ فَاتَتْهُ مصلحَة الطَّهَارَة فقد تقابلت الْمصلحَة والمفسدة وَكَذَلِكَ إِذا اغتلم الْبَحْر بِحَيْثُ يعلم ركبان السَّفِينَة أَنهم لَا يخلصون إِلَّا بتغريق شطر الركْبَان لتخف بهم السَّفِينَة فان ألقوا شطرهم كَانَ فِيهِ مفْسدَة وان تركوهم كَانَ فِيهِ مفْسدَة فقد تقابلت المفسدتان والمصلحتان على السوَاء وَكَذَلِكَ لَو أكره رجل على إِفْسَاد دِرْهَم من دِرْهَمَيْنِ متساويين أَو إِتْلَاف حَيَوَان من حيوانين متساويين أَو شرب قدح من قدحين متساويين أَو وجد كَافِرين قويين فِي حَال المبارزة لَا يُمكنهُ إِلَّا قتل أَحدهمَا أَو قصد الْمُسلمين عدوان متكافئان من كل وَجه فِي الْقرب والبعد وَالْعدَد والعداوة فانه فِي هَذِه الصُّور كلهَا تَسَاوَت الْمصَالح والمفاسد وَلَا يمكنكم تَرْجِيح أحد من المصلحتين وَلَا أحد من المفسدتين وَمَعْلُوم أَن هَذِه حوادث لَا تَخْلُو من حكم لله فِيهَا وَأما مَا ذكرْتُمْ من امْتنَاع تقَابل الْمصلحَة والمفسدة على السوَاء فَكيف عَلَيْكُم إِنْكَاره وَأَنْتُم تَقولُونَ بالموازنة وَإِن من النَّاس من تستوي حَسَنَاته وسيئاته فَيبقى فِي الْأَعْرَاف بَين الْجنَّة وَالنَّار لتقابل مُقْتَضى الثَّوَاب وَالْعِقَاب فِي حَقه فان حَسَنَاته

<<  <  ج: ص:  >  >>