للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصرت بِهِ عَن دُخُول النَّار وسيئاته قصرت بِهِ عَن دُخُول الْجنَّة وَهَذَا ثَابت عَن الصَّحَابَة حُذَيْفَة ابْن الْيَمَان وَابْن مَسْعُود وَغَيرهمَا

فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن مُجمل ومفصل

وَأما الْمُجْمل فَلَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا ذكرْتُمْ دَلِيل على مَحل النزاع فان مورد النزاع أَن تتقابل الْمصلحَة والمفسدة وتتساويا فيتدافعا وَيبْطل أثرهما وَلَيْسَ فِي هَذِه الصُّور شَيْء كَذَلِك وَهَذَا يتَبَيَّن بِالْجَوَابِ التفصيلي عَنْهَا صُورَة فَأَما من توَسط أَرضًا مَغْصُوبَة فَإِنَّهُ مَأْمُور من حِين دخل فِيهَا بِالْخرُوجِ مِنْهَا فَحكم الشَّارِع فِي حَقه الْمُبَادرَة إِلَى الْخُرُوج وان استلزم ذَلِك حَرَكَة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة فَإِنَّهَا حَرَكَة تَتَضَمَّن ترك الْغَصْب فَهِيَ من بَاب مَالا خلاص عَن الْحَرَام إِلَّا بِهِ وان قيل إِنَّهَا وَاجِبَة فوجوب عَقْلِي لزومي لَا شَرْعِي مَقْصُود فمفسدة هَذِه الْحَرَكَة مغمورة فِي مصلحَة تَفْرِيغ الأَرْض وَالْخُرُوج عَن الْغَصْب وَإِذا قدر تَسَاوِي الْجَواب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَالْوَاجِب الْقدر الْمُشْتَرك وَهُوَ الْخُرُوج من أَحدهَا وعَلى كل تَقْدِير فمفسدة هَذِه الْحَرَكَة مغمورة جدا فِي مصلحَة ترك الْغَصْب فَلَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ بسبيل وَأما مسئلة من توَسط بَين قَتْلَى لَا سَبِيل لَهُ إِلَى الْمقَام أَو النقلَة إِلَّا بقتل أحدهم فَهَذَا لَيْسَ مُكَلّفا فِي هَذِه الْحَال بل هُوَ فِي حكم الملجأ والملجأ لَيْسَ مُكَلّفا اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ لَا قصد لَهُ وَلَا فعل وَهَذَا ملْجأ من حَيْثُ أَنه لَا سَبِيل لَهُ إِلَى ترك النقلَة عَن وَاحِد إِلَّا إِلَى الآخر فَهُوَ ملْجأ إِلَى لبثه فَوق وَاحِد وَلَا بُد وَمثل هَذَا لَا يُوصف فعله بِإِبَاحَة وَلَا تَحْرِيم وَلَا حكم من أَحْكَام التَّكْلِيف لِأَن أَحْكَام التَّكْلِيف منوطة بِالِاخْتِيَارِ فَلَا تتَعَلَّق بِمن لَا اخْتِيَار لَهُ فَلَو كَانَ بَعضهم مُسلما وَبَعْضهمْ كَافِرًا مَعَ اشتراكهم فِي الْعِصْمَة فقد قيل يلْزمه الِانْتِقَال إِلَى الْكَافِر أَو الْمقَام عَلَيْهِ لِأَن قَتله أخف مفْسدَة من قتل الْمُسلم وَلِهَذَا يجوز قتل من لَا يقْتله فِي المعركة إِذا تترس بهم الْكفَّار فيرميهم ويقصد الْكفَّار

وَأما من طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ مجامع فَالْوَاجِب عَلَيْهِ النزع عينا وَيحرم عَلَيْهِ اسْتِدَامَة الْجِمَاع واللبث وَإِنَّمَا اخْتلف فِي وجوب الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة عَلَيْهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره

أَحدهَا عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وَهَذَا اخْتِيَار القَاضِي أبي يعلي وَالثَّانِي لَا شَيْء عَلَيْهِ وَهَذَا اخْتِيَار شَيخنَا وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّالِث عَلَيْهِ الْقَضَاء دون الْكَفَّارَة وعَلى الْأَقْوَال كلهَا فَالْحكم فِي حَقه وجوب النزع والمفسدة الَّتِي فِي حَرَكَة النزع مفْسدَة مغمورة فِي مصلحَة إقلاعه ونزعه فَلَيْسَتْ المسئلة من موارد النزاع وَأما إِذا تترس الْكفَّار بأسرى من الْمُسلمين بِعَدَد الْمُقَاتلَة فانه لَا يجوز رميهم إِلَّا أَن يخْشَى على جَيش الْمُسلمين وَتَكون مصلحَة حفظ الْجَيْش أعظم من مصلحَة حفظ الْأُسَارَى فَحِينَئِذٍ يكون رمي الْأُسَارَى وَيكون من بَاب دفع أعظم المفسدتين بِاحْتِمَال أدناهما فَلَو انعكس الامر وَكَانَت مصلحَة الاسرى أعظم من رميهم لم يجز رميهم

فَهَذَا الْبَاب مَبْنِيّ على دفع أعظم المفسدتين بأدناهما وَتَحْصِيل أعظم لمصلحتين بتفويت أدناهما فان فرض الشَّك وتساوي الْأَمْرَانِ لم يجز رمي الأسرى لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>