على يَقِين من قَتلهمْ وعَلى ظن وتخمين من قتل أَصْحَابه وهلاكهم وَلَو قدر أَنهم تيقنوا ذَلِك وَلم يكن فِي قَتلهمْ اسْتِبَاحَة ببضه الْإِسْلَام وَغَلَبَة الْعَدو على الديار لم يجز أَن يقي نُفُوسهم بنفوس الأسرى كَمَا لَا يجوز للمكره على قتل الْمَعْصُوم أَن يقْتله ويقي نَفسه بِنَفسِهِ بل الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يستسلم للْقَتْل وَلَا يَجْعَل النُّفُوس المعصومة وقاية لنَفسِهِ وَأما إِذا ألْقى فِي مركبهم نَار فانهم يَفْعَلُونَ مَا يرَوْنَ السَّلامَة فِيهِ وان شكوا هَل السَّلامَة فِي فِي مقامهم أَو فِي وقوعهم فِي المَاء أَو تيقنوا الْهَلَاك فِي الصُّورَتَيْنِ أَو غلب على ظنهم غَلَبَة مُتَسَاوِيَة لَا يتَرَجَّح أحد طرفيها فَفِي الصُّور الثَّلَاث قَولَانِ لأهل الْعلم وهما رِوَايَتَانِ منصوصتان عَن أحد إِحْدَاهمَا أَنهم يخيرون بَين الْأَمريْنِ لِأَنَّهُمَا موتتان قد عرضتا لَهُم فَلهم أَن يختاروا أيسرهما عَلَيْهِم إِذْ لَا بُد من أَحدهمَا وَكِلَاهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم سَوَاء فيخيرون بَينهمَا وَالْقَوْل الثَّانِي أَن يلْزمهُم الْمقَام وَلَا يعينون على أنفسهم لِئَلَّا يكون مَوْتهمْ بِسَبَب من جهتهم وليتمحص مَوْتهمْ شَهَادَة بأيدي عدوهم وَأما الَّذِي ضَاقَ عَلَيْهِ وَقت الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالصَّلَاة فَإِن الْوَاجِب فِي حَقه تقوى الله بِحَسب الْإِمْكَان وَقد اخْتلف فِي تعْيين ذَلِك الْوَاجِب على ثَلَاثَة أَقْوَال فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره أَحدهَا أَن الْوَاجِب فِي حَقه معينا إِيقَاع الصَّلَاة فِي وَقتهَا فَإِنَّهَا قد تضيقت وَالْحج لم يتضيق وقته فَإِنَّهُ إِذا فعله فِي الْعَام الْقَابِل لم يكن قد أخرجه عَن وقته بِخِلَاف الصَّلَاة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يقدم الْحَج وَيقْضى الصَّلَاة بعد الْوَقْت لِأَن مشقة فَوَاته وتكلفه إنْشَاء سفر آخر أَو إِقَامَة فِي مَكَّة إِلَى قَابل ضَرَر عَظِيم تأباه الحنيفية السمحة فيشتغل بادراكه وَيقْضى الصَّلَاة وَالثَّالِث يقْضى الصَّلَاة وَهُوَ سَائِر إِلَى عَرَفَة فَيكون فِي طَرِيقه مُصَليا كَمَا يصلى الهارب من سيل أَو سبع أَو عَدو ايفاقا أَو الطَّالِب لعدو يخْشَى فَوَاته على أصح الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا أَقيس الْأَقْوَال وأقربها إِلَى قَوَاعِد الشَّرْع ومقاصده فَإِن الشَّرِيعَة مبناها على تَحْصِيل الْمصَالح بِحَسب الْإِمْكَان وَأَن لَا يفوت مِنْهَا شَيْء فَإِن أمكن تَحْصِيلهَا كلهَا حصلت وَإِن تزاحمت وَلم يُمكن تَحْصِيل بَعْضهَا إِلَّا بتفويت الْبَعْض قدم أكملها وأهمها وأشدها طلبا للشارع وَقد قَالَ عبد الله بن أبي أنيس بَعَثَنِي رَسُول الله إِلَى خَالِد ابْن سُفْيَان العرنى وَكَانَ نَحْو عُرَنَة وعرفات فَقَالَ اذْهَبْ فاقتله فرأيته وَحَضَرت صَلَاة الْعَصْر فَقلت إِنِّي أَخَاف أَن يكون بيني وَبَينه مَا أَن أؤخر الصَّلَاة فَانْطَلَقت أَمْشِي وَأَنا أصلى أومي ايماء نَحوه فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ قَالَ لي من أَنْت قلت رجل من الْعَرَب بَلغنِي أَنَّك تجمع لهَذَا الرجل فجئتك فِي ذَلِك قَالَ أَنِّي لفي ذَلِك قَالَ فمشيت مَعَه سَاعَة حَتَّى إِذا أمكنني علوته بسيفي حَتَّى يرد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَأما مَسْأَلَة المستيقظ قبل طُلُوع الشَّمْس جنبا وضيق الْوَقْت عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَتَّسِع للْغسْل وَالصَّلَاة فَهَذَا الْوَاجِب فِي حَقه عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء أَن يغْتَسل وَأَن طلعت الشَّمْس وَلَا تجزيه الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ وَاجِد للْمَاء وَأَن كَانَ غير مفرط فِي نَومه فَلَا إِثْم عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute