كَمَا لَو نَام حَتَّى طلعت الشَّمْس وَالْوَاجِب فِي حَقه الْمُبَادرَة إِلَى الْغسْل وَالصَّلَاة وَهَذَا وَقتهَا فِي حق أَمْثَاله وعَلى هَذَا القَوْل الصَّحِيح فَلَا يتعارض هَاهُنَا مصلحَة ومفسدة متساويتان بل مصلحَة الصَّلَاة بِالطَّهَارَةِ أرجح من إيقاعها فِي الْوَقْت بِالتَّيَمُّمِ وَفِي الْمَسْأَلَة قَول ثَان وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك أَنه يتَيَمَّم وَيصلى فِي الْوَقْت لِأَن الشَّارِع لَهُ الْتِفَات إِلَى إِيقَاع الصَّلَاة فِي الْوَقْت بِالتَّيَمُّمِ أعظم من التفاته إِلَى إيقاعها بِطَهَارَة المَاء خَارج الْوَقْت والعدم الْمُبِيح للتيمم هُوَ الْعَدَم بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَقت الصَّلَاة لَا مُطلقًا فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يجد المَاء وَلَو بعد حِين وَمَعَ هَذَا فَأوجب عَلَيْهِ الشَّارِع التَّيَمُّم لِأَنَّهُ عادم للْمَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَقت الصَّلَاة وَهَكَذَا هَذَا النَّائِم وَأَن كَانَ واجدا للْمَاء لكنه عادم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَقْت وَصَاحب هَذَا القَوْل يَقُول مصلحَة إِيقَاع الصَّلَاة فِي الْوَقْت بِالتَّيَمُّمِ أرجح فِي نظر الشَّارِع من إيقاعها خَارج الْوَقْت بِطَهَارَة المَاء فعلى كلا الْقَوْلَيْنِ لم تتساو الْمصلحَة والمفسدة فَثَبت أَنه لَا وجوب لهَذَا الْقسم فِي الشَّرْع
وَأما مَسْأَلَة اغتلام الْبَحْر فَلَا يجوز إِلْقَاء أحد مِنْهُم فِي الْبَحْر بِالْقُرْعَةِ وَلَا غَيرهَا لاستوائهم فِي الْعِصْمَة وَقتل من لَا ذَنْب وقاية لنَفس الْقَاتِل بِهِ وَلَيْسَ أولى بذلك مِنْهُ ظلم نعم لَو كَانَ فِي السَّفِينَة مَال أَو حَيَوَان وَجب إِلْقَاء المَال ثمَّ الْحَيَوَان لِأَن الْمفْسدَة فِي فَوَات الْأَمْوَال والحيوانات أولى من الْمفْسدَة فِي فَوَات أنفس النَّاس المعصومة وَأما سَائِر الصُّور الَّتِي تَسَاوَت مفاسدها كإتلاف الدرهمين والحيوانين وَقتل أحد العدوين فَهَذَا الحكم فِيهِ التَّخْيِير بَينهمَا لِأَنَّهُ لَا بُد من أتلاف أَحدهمَا وقاية لنَفسِهِ وَكِلَاهُمَا سَوَاء فَيُخَير بَينهمَا وَكَذَلِكَ الْعدوان المتكافئان يُخَيّر بَين قتالهما كالواجب الْمُخَير وَالْوَلِيّ وَأما من تَسَاوَت حَسَنَاته وسيئاته وتدافع أثرهما فَهُوَ حجَّة عَلَيْكُم فَإِن الحكم للحسنات وَهِي تغلب السَّيِّئَات فَإِنَّهُ لَا يدْخل النَّار وَلكنه يبقي على الْأَعْرَاف مُدَّة ثمَّ يصير إِلَى الْجنَّة فقد تبين غَلَبَة الْحَسَنَات لجَانب السَّيِّئَات ومنعها من ترَتّب أَثَرهَا عَلَيْهَا وان الْأَثر هُوَ أثر الْحَسَنَات فَقَط فَبَان أَنه لَا دَلِيل حكم لكم على وجود هَذَا الْقسم أصلا وان الدَّلِيل يدل على امْتِنَاعه فَأن قيل لكم فَمَا قَوْلكُم فِيمَا إِذا عَارض الْمفْسدَة مصلحَة أرجع مِنْهَا وترتب الحكم على الرَّاجِح هَل يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَعَ بَقَاء الْمَرْجُوح من الْمصلحَة والمفسدة لكنه لما كَانَ مغمورا لم يلْتَفت إِلَيْهِ أَو يَقُولُونَ أَن الْمَرْجُوح زَالَ أَثَره بالراجح فَلم يبْق لَهُ أثر
وَمِثَال ذَلِك أَن الله تَعَالَى حرم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير لما فِي تنَاولهَا من الْمفْسدَة الراجحة وَهُوَ خبث التغذية والغازي شَبيه بالمغتذى فَيصير المفتذي بِهَذِهِ الْخَبَائِث خَبِيث النَّفس فَمن محَاسِن الشَّرِيعَة تَحْرِيم هَذِه الْخَبَائِث فَإِن اضْطر إِلَيْهَا وَخَافَ على نَفسه الْهَلَاك أَن لم يَتَنَاوَلهَا أبيحت لَهُ فَهَل إباحتها وَالْحَالة هَذِه مَعَ بَقَاء وصف الْخبث فِيهَا لَكِن عَارضه مصلحَة أرجح مِنْهُ وَهِي حفظ النَّفس أَو إباحتها أزالت وصف الْخبث مِنْهَا فَمَا أُبِيح لَهُ إِلَّا طيب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute