للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْبَعَة نَفرا فأدخلهم بَيْتا فَلَا يطْعمُون وَلَا يسقون حَتَّى إِذا هَلَكُوا من الْجُوع أطعمت اثْنَيْنِ وسقيتهما فعاشا وَتركت الْإِثْنَيْنِ فماتا فَعرف إِبْرَاهِيم ان لَهُ قدرَة بسلطانه وَملكه على أَن يفعل ذَلِك قَالَ إِبْرَاهِيم فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب فبهت الَّذِي كفر وَقَالَ إِن هَذَا إِنْسَان مَجْنُون فأخرجوه أَلا ترَوْنَ أَنه من جُنُونه اجترأ على آلِهَتكُم فَكَسرهَا وَأَن النَّار لم تَأْكُله وخشى أَن يفتضح فِي قومة وَكَانَ يزْعم أَنه رب فَأمر بإبراهيم فَأخْرج وَقَالَ مُجَاهِد أحيي فَلَا أقتل وأميت من قتلت وَقَالَ ابْن جريج أُتِي برجلَيْن فَقتل أَحدهمَا وَترك الآخر فَقَالَ أَنا أحيي وأميت فأميت من قتلت وأحيي فَلَا أقتل وَقَالَ ابْن إِسْحَاق ذكر لنا وَالله أعلم أَن نمْرُود قَالَ لإِبْرَاهِيم أَرَأَيْت إلهك هَذَا الَّذِي تعبد وَتَدْعُو إِلَى عِبَادَته وتذكر من قدرته الَّتِى تعظمه بهَا على غَيرهَا مَا هِيَ قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت قَالَ نمْرُود أَنا أحيي وأميت فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم كَيفَ تحيي وتميت قَالَ آخذ الرجلَيْن قد استوجيا الْقَتْل فِي حكمى فَاقْتُلْ أَحدهمَا فَأَكُون قد أمته وأعفو عَن عَن الآخر فَاتْرُكْهُ فَأَكُون قد أحييته فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك فَأن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فَاتَ بهَا من الْمغرب أعرف أَنه كَمَا تَقول فبهت عِنْد ذَلِك نمْرُود وَلم يرجع إِلَيْهِ شَيْئا وَعرف أَنه لَا يُطيق ذَلِك فَهَذَا كَلَام السّلف فِي هَذِه المناظرة وَكَذَلِكَ سَائِر الْمُفَسّرين بعدهمْ لم يقل أحد مِنْهُم قطّ أَن معنى الْآيَة أَن هَذَا الْإِحْيَاء والإماتة حَاصِل منى وَمن كل أحد فَأن الرجل قد يكون مِنْهُ الْحُدُوث بِوَاسِطَة تمزيج الطبائع وتحريك الأجرام الفلكية بل نقطع بِأَن هَذَا لم يخْطر بقلب الْمُشرك المناظر الْبَتَّةَ وَلَا كَانَ هَذَا مُرَاده فَلَا يحل تَفْسِير كَلَام الله بِمثل هَذِه الأباطيل ونسأل الله أَن يعيذنا من القَوْل عَلَيْهِ بِمَا لم نعلم فَإِنَّهُ أعظم الْمُحرمَات على الْإِطْلَاق وأشدها إِثْمًا وَقد ظن جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ وأرباب الجدل أَن إِبْرَاهِيم أنتقل مَعَ الْمُشرك من حجَّة إِلَى حجَّة وَلم يجبهُ عَن قَوْله أَنا أحيي وأميت قَالُوا وَكَانَ يُمكنهُ أَن يتم مَعَه الْحجَّة الأولى بِأَن يَقُول مرادى بالأحياء إحْيَاء الْمَيِّت وإيجاد الْحَيَاة فِيهِ لَا استبقاؤه على حَيَاته وَكَانَ يُمكنهُ تتميمها بمعارضته فِي نَفسهَا بِأَن يَقُول فأحيي من أمت وَقلت ان كنت صَادِقا وَلَكِن انْتقل إِلَى حجَّة أوضح من الأولى فَقَالَ إِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فَاتَ بهَا من الْمغرب فَانْقَطع الْمُشرك الْمُعَطل وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا ذَكرُوهُ وَلَا هَذَا انْتِقَال بل هَذَا مُطَالبَة لَهُ بِمُوجب دَعْوَاهُ الإلهية وَالدَّلِيل الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ إِبْرَاهِيم قد تموثبت مُوجبه فَلَمَّا ادّعى الْكَافِر أَنه يفعل كَمَا يفعل الله فَيكون إِلَهًا مَعَ الله طَالبه إِبْرَاهِيم بِمُوجب دَعْوَاهُ مُطَالبَة تَتَضَمَّن بُطْلَانهَا فَقَالَ إِن كنت أَنْت رَبًّا كَمَا تزْعم فتحيي وتميت كَمَا يحيي رَبِّي وَيُمِيت فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فتنصاع لقدرته وتسخيره ومشيئته فَإِن كنت أَنْت رَبًّا فَاتَ بهَا من الْمغرب وَتَأمل قَول الْكَافِر أَنا أحيي وأميت وَلم يقل أَنا الَّذِي أحيي

<<  <  ج: ص:  >  >>