للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفوائده وَقَالَ فِي أثْنَاء كَلَامه وَيَكْفِي فِي تفضيله انا نشتري بنواه الْعِنَب فَكيف يفضل عَلَيْهِ ثَمَر يكون نَوَاه ثمنا لَهُ وَقَالَ آخر من الْجَمَاعَة قد فصل النَّبِي النزاع فِي هَذِه المسئلة وشفى فِيهَا بنهيه عَن تَسْمِيَة شجر الْعِنَب كرما وَقَالَ الْكَرم قلب الْمُؤمن فاي دَلِيل ابين من هَذَا واخذوا يبالغون فِي تَقْرِير ذَلِك فَقلت للْأولِ مَا ذكرته من كَون نوى التَّمْر ثمنا للعنب فَلَيْسَ بِدَلِيل فَإِن هَذَا لَهُ اسباب احدها حَاجَتكُمْ الى النَّوَى للعلف فيرغب صَاحب الْعِنَب فِيهِ لعلف نَاضِحَهُ وحمولته الثَّانِي ان نوى الْعِنَب لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا يجْتَمع الثَّالِث ان الاعناب عنْدكُمْ قَليلَة جدا وَالتَّمْر اكثر شَيْء عنْدكُمْ فيكثر نَوَاه فيشترى بِهِ الشَّيْء الْيَسِير من الْعِنَب وَأما فِي بِلَاد فِيهَا سُلْطَان الْعِنَب فَلَا يشترى بالنوى مِنْهُ شَيْء وَلَا قيمَة لنوى التَّمْر فِيهَا وَقلت لمن احْتج بِالْحَدِيثِ هَذَا الحَدِيث من حجج فضل الْعِنَب لانهم كَانُوا يسمونه شَجَرَة الْكَرم لِكَثْرَة مَنَافِعه وخيره فَإِنَّهُ يُؤْكَل رطبا ويابسا وحلوا وحامضا وتجنى مِنْهُ أَنْوَاع الاشربة والحلوى والدبس وَغير ذَلِك فَسَموهُ كرما لِكَثْرَة خَيره فَأخْبرهُم النَّبِي ان قلب الْمُؤمن احق مِنْهُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَة لِكَثْرَة مَا اودع الله فِيهِ من الْخَيْر وَالْبركَة وَالرَّحْمَة واللين وَالْعدْل والاحسان والنصح وَسَائِر انواع الْبر وَالْخَيْر الَّتِي وَضعهَا الله فِي قلب الْمُؤمن فَهُوَ احق بِأَن يُسمى كرما من شجر الْعِنَب وَلم يرد النَّبِي ابطال مَا فِي شجر الْعِنَب من الْمَنَافِع والفوائد وان تمسيته كرما كذب وانها لَفْظَة لَا معنى تحتهَا كتسمية الْجَاهِل عَالما والفاجر برا والبخيل سخيا الا ترى انه لم ينف فَوَائِد شجر الْعِنَب وَإِنَّمَا اخبر عَنهُ ان قلب الْمُؤمن اغزر فَوَائِد واعظم مَنَافِع مِنْهَا هَذَا الْكَلَام اَوْ قريب مِنْهُ جرى فِي ذَلِك الْمجْلس وَأَنت إِذا تدبرت قَول النَّبِي الْكَرم قلب الْمُؤمن وجدته مطابقا لقَوْله فِي النَّخْلَة مثلهَا مثل الْمُسلم فَشبه النَّخْلَة بِالْمُسلمِ فِي حَدِيث ابْن عمر وَشبه الْمُسلم بِالْكَرمِ فِي الحَدِيث الاخر ونهاهم ان يخصوا شجر الْعِنَب باسم الْكَرم دون قلب الْمُؤمن وَقد قَالَ بعض النَّاس فِي هَذَا معنى آخر وَهُوَ انه نَهَاهُم عَن تَسْمِيَة شجر الْعِنَب كرما لانه يقتنى مِنْهُ ام الْخَبَائِث فَيكْرَه ان يُسمى باسم يرغب النُّفُوس فِيهَا ويحضهم عَلَيْهَا من بَاب سد الذرائع فِي الالفاظ وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ لَوْلَا ان قَوْله فَإِن الْكَرم قلب الْمُؤمن كالتعليل لهَذَا النَّهْي والاشارة الى انه اولى بِهَذِهِ التَّسْمِيَة من شجر الْعِنَب وَرَسُول الله اعْلَم بِمَا اراد من كَلَامه فَالَّذِي قَصده هُوَ الْحق وَبِالْجُمْلَةِ فَالله سُبْحَانَهُ عدد على عباده من نعمه عَلَيْهِم ثَمَرَات النخيل والاعناب فساقها فِيمَا عدده عَلَيْهِم من نعمه وَالْمعْنَى الاول اظهر من الْمَعْنى الاخر إِن شَاءَ الله فَإِن أم الْخَبَائِث تتَّخذ من كل ثَمَر كالنخيل كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} وَقَالَ انس نزل تَحْرِيم الْخمر وَمَا بِالْمَدِينَةِ من شراب الاعناب شَيْء وَإِنَّمَا كَانَ شراب الْقَوْم الفضيخ الْمُتَّخذ من التَّمْر فَلَو كَانَ نَهْيه عَن تَسْمِيَة شجر الْعِنَب

<<  <  ج: ص:  >  >>