للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرما لاجل الْمُسكر لم يشبه النَّخْلَة بِالْمُؤمنِ لَان الْمُسكر يتَّخذ مِنْهَا وَالله اعْلَم الْوَجْه السَّادِس من وُجُوه التَّشْبِيه ان النَّخْلَة اصبر الشّجر على الرِّيَاح والجهد وَغَيرهَا من الدوح الْعِظَام تميلها الرّيح تَارَة وتقلعها تَارَة وتقصف افنانها وَلَا صَبر لكثير مِنْهَا على الْعَطش كصبر النَّخْلَة فَكَذَلِك الْمُؤمن صبور على الْبلَاء لَا تزعزعه الرِّيَاح السَّابِع ان النَّخْلَة كلهَا مَنْفَعَة لَا يسْقط مِنْهَا شَيْء بِغَيْر مَنْفَعَة فثمرها مَنْفَعَة وجذعها فِيهِ من الْمَنَافِع مَالا يجهل للأبنية والسقوف وَغير ذَلِك وسعفها تسقف بِهِ الْبيُوت مَكَان الْقصب وَيسْتر بِهِ الْفرج والخلل وخوصها يتَّخذ مِنْهُ المكاتل والزنابيل وأنواع الانية والحصر وَغَيرهَا وليفها وكربها فِيهِ من الْمَنَافِع مَا هومعلوم عِنْد النَّاس وَقد طابق بعض النَّاس هَذِه الْمَنَافِع وصفات الْمُسلم وَجعل لكل مَنْفَعَة مِنْهَا صفة فِي الْمُسلم تقَابلهَا فَلَمَّا جَاءَ الى الشوك الَّذِي فِي النَّخْلَة جعل بإزائه من الْمُسلم صفة الحدة على أَعدَاء الله واهل الْفُجُور فَيكون عَلَيْهِم فِي الشدَّة والغلظة بِمَنْزِلَة الشوك وَلِلْمُؤْمنِينَ والمتقين بِمَنْزِلَة الرطب حلاوة ولينا {أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} الثَّامِن انها كلما اطال عمرها ازْدَادَ خَيرهَا وجاد ثَمَرهَا وَكَذَلِكَ الْمُؤمن إِذا طَال عمره ازْدَادَ خَيره وَحسن عمله التَّاسِع ان قَلبهَا من اطيب الْقُلُوب واحلاه وَهَذَا امْر خصت بِهِ دون سَائِر الشّجر وَكَذَلِكَ قلب الْمُؤمن من ايطب الْقُلُوب الْعَاشِر انها لايتعطل نَفعهَا بِالْكُلِّيَّةِ ابدا بل إِن تعطلت مِنْهَا منفعه فَفِيهَا مَنَافِع اخر حَتَّى لَو تعطلت ثمارها سنة لَكَانَ للنسا فِي سعفها وخوصها وليفها وكربها مَنَافِع وَهَكَذَا الْمُؤمن لَا يَخْلُو عَن شَيْء من خِصَال الْخَيْر قطّ ان اجدب مِنْهُ جَانب من الْخَيْر اخصب مِنْهُ جَانب فَلَا يزَال خَيره مأمولا وشره مَأْمُونا فِي التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا الى النَّبِي خَيركُمْ من يُرْجَى خَيره ويؤمن شَره وشركم من لَا يُرْجَى خَيره وَلَا يُؤمن شَره فَهَذَا فصل معترض ذَكرْنَاهُ اسْتِطْرَادًا للحكمة فِي خلق النَّخْلَة وهيئتها فلنرجع اليه فَتَأمل خلقَة الْجذع الَّذِي لَهَا كَيفَ هُوَ تَجدهُ كالمنسوج من خيوط ممدودة كالسدا وَأُخْرَى مُعْتَرضَة كاللحمة كنحو المنسوج بِالْيَدِ وَذَلِكَ لتشتد وتصلب فَلَا تتقصف من حمل الْحَيَوَان الثقيل وتصبر على هز الرِّيَاح الْعَاصِفَة ولبثها فِي السقوف والجسور والاواني وَغير ذَلِك مِمَّا يتَّخذ مِنْهَا وَهَكَذَا سَائِر الْخشب وَغَيرهَا إِذا تأملته شبه النسج وَلَا ترَاهُ مصمتا كالحجر الصلد بل ترى بعضه كَأَنَّهُ دَاخل بَعْضًا طولا وعرضا كتداخل اجزاء اللَّحْم بَعْضهَا فِي بعض فَإِن ذَلِك امتن لَهُ وأهيأ لما يُرَاد مِنْهُ فَإِنَّهُ لَو كَانَ مصمتا كالحجارة لم يُمكن ان يسْتَعْمل فِي الالات والابواب والاواني والامتعة والاسرة والتوابيت وَمَا اشبهها وَمن بديع الْحِكْمَة فِي الْخشب ان جعل يطفو على المَاء وَذَلِكَ للحكمة الْبَالِغَة إِذْ لَوْلَا ذَلِك لما كَانَت هَذِه السفن تحمل امثال الْجبَال من الحمولات والامتعة وتمخر الْبَحْر مقبلة ومدبرة وَلَوْلَا ذَلِك لما تهَيَّأ للنَّاس هَذِه الْمرَافِق لحمل هَذِه التِّجَارَات الْعَظِيمَة والامتعة الْكَثِيرَة

<<  <  ج: ص:  >  >>