حَقًا يستظهر بِكِتَاب الله على كل مَا سواهُ فَيقدمهُ ويحكمه ويجعله عيارا على غَيره مهيمنا عَلَيْهِ كَمَا جعله الله تَعَالَى كَذَلِك فالمستظهر بِهِ موفق سعيد والمستظهر عَلَيْهِ مخذول شقي فَمن استظهر على الشَّيْء فقد جعله خلف ظَهره مقدما عَلَيْهِ مَا استظهر بِهِ وَهَذَا حَال من اشْتغل بِغَيْر كتاب الله عَنهُ وَاكْتفى بِغَيْرِهِ مِنْهُ وَقدم غَيره واخره والصنف الثَّانِي من حَملَة الْعلم المنقاد الَّذِي لم يثلج لَهُ صَدره وَلم يطمئن بِهِ قلبه بل هُوَ ضَعِيف البصيرة فِيهِ لكنه منقاد لأَهله وَهَذِه حَال اتِّبَاع الْحق من مقلديهم وَهَؤُلَاء وَإِن كَانُوا على سَبِيل نجاة فليسوا من دعاة الدّين وَإِنَّمَا هم من مكثري وَسَوَاد الْجَيْش لَا من امرائه وفرسانه والمنقاد منفعل من قَادَهُ يَقُودهُ وَهُوَ مُطَاوع الثلاثي واصله منقيد كمكتسب ثمَّ اعلت الْيَاء الْفَا لحركتها بعد فَتْحة فصارمن قادت تَقول قدته فانقاد أَي لم يمْتَنع والاحناء جَمِيع حنو بِوَزْن علم وَهِي الجوانب والنواحي وَالْعرب تَقول ازجر احناء طيرك أَي امسك نواحي خفتك وطيشك يَمِينا وَشمَالًا واماما وخلفا قَالَ لبيد
فَقلت ازدجر احناء طيرك واعلمن ... بانك ان قدمت رجلك عاثر وَالطير هُنَا الخفة والطيش وَقَوله ينقدح الشَّك فِي قلبه بِأول عَارض من شُبْهَة هَذَا لضعف علمه وَقلة بصيرته إِذا وَردت على قلبه ادنى شُبْهَة قدحت فِيهِ الشَّك والريب بِخِلَاف الراسخ فِي الْعلم لَو وَردت عَلَيْهِ من الشّبَه بِعَدَد امواج الْبَحْر مَا ازالت يقينه وَلَا قدحت فِيهِ شكا لانه قد رسخ فِي الْعلم فَلَا تستفزه الشُّبُهَات بل إِذا وَردت عَلَيْهِ ردهَا حرس الْعلم وجيشه مغلولة مغلوبة والشبهة وَارِد يرد على الْقلب يحول بَينه وَبَين انكشاف الْحق لَهُ فَمَتَى بَاشر الْقلب حَقِيقَة الْعلم لم تُؤثر تِلْكَ الشُّبْهَة فِيهِ بل يقوى علمه ويقينه بردهَا وَمَعْرِفَة بُطْلَانهَا وَمَتى لم يُبَاشر حَقِيقَة الْعلم بِالْحَقِّ قلبه قدحت فِيهِ الشَّك بِأول وهلة فان تداركها والا تَتَابَعَت على قلبه امثالها حَتَّى يصير شاكا مُرْتَابا وَالْقلب يتوارده جيشان من الْبَاطِل جَيش شهوات الغي وجيش شُبُهَات الْبَاطِل فأيما قلب صغا اليها وركن اليها تشربها وامتلأ بهَا فينضح لِسَانه وجوارحه بموجبها فَإِن اشرب شُبُهَات الْبَاطِل تَفَجَّرَتْ على لِسَانه الشكوك والشبهات والايرادات فيظن الْجَاهِل ان ذَلِك لسعة علمه وَإِنَّمَا ذَلِك من عدم علمه ويقينه وَقَالَ لي شيخ الاسلام رضى الله عَنهُ وَقد جعلت اورد عَلَيْهِ غيرادا بعد إِيرَاد لات جعل قَلْبك للايرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فَلَا ينضح الا بهَا وَلَكِن اجْعَلْهُ كالزجاجة المصمتة تمر الشُّبُهَات بظاهرها وَلَا تَسْتَقِر فِيهَا فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وَإِلَّا فاذا اشربت قَلْبك كل شُبْهَة تمر عَلَيْهَا صَار مقرا للشبهات اَوْ كَمَا قَالَ فَمَا اعْلَم اني انتفعت بِوَصِيَّة فِي دفع الشُّبُهَات كانتفاعي بذلك وَإِنَّا سميت الشُّبْهَة شُبْهَة لاشتباه الْحق بِالْبَاطِلِ فِيهَا فانها تلبس ثوب الْحق على جسم الْبَاطِل وَأكْثر النَّاس اصحاب حسن ظَاهر فَينْظر النَّاظر فِيمَا البسته من اللبَاس فيعتقد صِحَّتهَا واما صَاحب الْعلم وَالْيَقِين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute