الصِّنْف الرَّابِع من حرصه وهمته فِي جمع الاموال وتثميرها وادخارها فقد صَارَت لذته فِي ذَلِك وفتى بهَا عَمَّا سواهُ فَلَا يرى شَيْئا اطيب لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَمن ايْنَ هَذَا ودرجة الْعلم فَهَؤُلَاءِ الاصناف الاربعة لَيْسُوا من دعاة الدّين وَلَا من ائمة الْعلم وَلَا من طلبته الصَّادِقين فِي طلبه وَمن تعلق مِنْهُم بِشَيْء مِنْهُ فَهُوَ من المتسلقين عَلَيْهِ المتشبهين بحملته وَأَهله المدعين لوصاله المبتونين من حباله وفتنة هَؤُلَاءِ فتْنَة لكل مفتون فان النَّاس يتشبهون بهم لما يظنون عِنْدهم من الْعلم وَيَقُولُونَ لسنا خيرا مِنْهُم وَلَا نرغب بِأَنْفُسِنَا عَنْهُم فهم حجَّة لكل مفتون وَلِهَذَا قَالَ فيهم بعض الصَّحَابَة الْكِرَام احْذَرُوا فتْنَة الْعَالم الْفَاجِر وَالْعَابِد الْجَاهِل فَإِن فتنتهما فتْنَة لكل مفتون وَقَوله اقْربْ شبها بهم الانعام السَّائِمَة وَهَذَا التَّشْبِيه مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى ان هم كالأنعام بل هم اضل سَبِيلا فَمَا اقصر سُبْحَانَهُ على تشبيههم بالانعام حَتَّى جعلهم اضل سَبِيلا مِنْهُم والسائمة الراعية وَشبه امير الْمُؤمنِينَ هَؤُلَاءِ بهَا لَان همتهم فِي سعي الدُّنْيَا وحطامها وَالله تَعَالَى يشبه اهل الْجَهْل والغي تَارَة بالانعام وَتارَة بالحمر وَهَذَا تَشْبِيه لمن تعلم علما وَلم يعقله وَلم يعْمل بِهِ فَهُوَ كالحمار الَّذِي يحمل اسفارا وَتارَة بالكلب وَهَذَا لمن انْسَلَخَ عَن الْعلم واخلد الى الشَّهَوَات والهوى وَقَوله كَذَلِك يَمُوت الْعلم بِمَوْت حامليه هَذَا من قَول النَّبِي فِي حَدِيث عبد الله بن عمر وَعَائِشَة رضى الله عَنْهُم وَغَيرهمَا ان الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من صُدُور الرِّجَال وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء فَإِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا واضلوا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فذهاب الْعلم إِنَّمَا هُوَ بذهاب الْعلمَاء قَالَ ابْن مَسْعُود يَوْم مَاتَ عمر رضى الله عَنهُ اني لاحسب تِسْعَة اعشار الْعلم الْيَوْم قد ذهب وَقد تقدم قَول عمر رضى الله عَنهُ موت الف عَابِد اهون من موت عَالم بَصِير بحلال الله وَحَرَامه وَقَوله اللَّهُمَّ بلَى لن تَخْلُو الارض من مُجْتَهد قَائِم لله بحجج الله وَيدل عَلَيْهِ الحَدِيث الصَّحِيح عَن النَّبِي لَا تزَال طَائِفَة من امتي على الْحق لَا يضرهم من خذلهم وَلَا من خالفهم حَتَّى يَأْتِي امْر الله وهم على ذَلِك وَيدل عَلَيْهِ ايضا مارواه التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة حَدثنَا حَمَّاد بن يحيى الابح عَن ثَابت عَن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله مثل امتي مثل الْمَطَر لَا يدرى اوله خير ام آخِره قَالَ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب ويروى عَن عبد الرحمن بن مهْدي انه كَانَ يثبت حَمَّاد بن يحيى الابح وَكَانَ يَقُول هُوَ من شُيُوخنَا وَفِي الْبَاب عَن عمار وَعبد الله بن عَمْرو فَلَو لم يكن فِي اواخر الامة قَائِم بحجج الله مُجْتَهد لم يَكُونُوا موصوفين بِهَذِهِ الْخَيْرِيَّة وايضا فَإِن هَذِه الامة اكمل الامم وَخير امة اخرجت للنَّاس ونبيها خَاتم النَّبِيين لَا نَبِي بعده فَجعل الله الْعلمَاء فِيهَا كلما هلك عَالم خلقه عَالم لِئَلَّا تطمس معالم الدّين وتخفى اعلامه وَكَانَ بَنو اسرائيل كلما هلك نَبِي خَلفه نَبِي فَكَانَت تسوسهم الانبياء وَالْعُلَمَاء لهَذِهِ الامة كالانبياء فِي بني اسرائيل وَأَيْضًا فَفِي الحيدث الاخر يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عَدو لَهُ ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين