وَلَا علما وَمن نِيَّته انه لَو كَانَ لَهُ مَال لعمل فِيهِ بِمَعْصِيَة الله فَهَذَا يَلِي الْغَنِيّ الْجَاهِل فِي الْمرتبَة ويساويه فِي الْوزر بنيته الجازمة المقترن بهَا مقدورها وَهُوَ القَوْل الَّذِي لم يقدر على غَيره فقسم السُّعَدَاء قسمَيْنِ وَجعل الْعلم وَالْعَمَل بِمُوجبِه سَبَب سعادتهما وَقسم الاشقياء قسمَيْنِ وَجعل الْجَهْل وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ سَبَب شقاوتهما فَعَادَت السَّعَادَة بجملتها الى الْعلم وموجبه والشقاوة بجملتها الى الْجَهْل وثمرته الْوَجْه الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة مَا ثَبت عَن بعض السّلف انه قَالَ تفكر سَاعَة خير من عبَادَة سِتِّينَ سنة وسال رجل أم الدَّرْدَاء بعد مَوته عَن عِبَادَته فَقَالَت كَانَ نَهَاره اجمعه فِي بادية التفكر وَقَالَ الْحسن تفكر سَاعَة خير من قيام لَيْلَة وَقَالَ الْفضل التفكر مرْآة تريك حَسَنَاتك وسيئاتك وَقيل لابراهيم إِنَّك تطيل الفكرة فَقَالَ الفكرة مخ الْعقل وَكَانَ سُفْيَان كثيرا مَا يتَمَثَّل:
إِذا الْمَرْء كَانَت لَهُ فكرة ... فَفِي كل شَيْء لَهُ عِبْرَة وَقَالَ الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى سأصرف عَن آياتي الَّذين يتكبرون فِي الارض بِغَيْر الْحق قَالَ أمنعهم التفكر فِيهَا وَقَالَ بعض العارفين لَو طالعت قُلُوب الْمُتَّقِينَ بفكرها الى مَا قدر فِي حجب الْغَيْب من خير الاخرة لم يصف لَهُم فِي الدُّنْيَا عَيْش وَلم تقر لَهُم فِيهَا عين وَقَالَ الْحسن طول الْوحدَة أتم للفكرة وَطول الفكرة دَلِيل على طَرِيق الْجنَّة وَقَالَ وهب مَا طَالَتْ فكرة اُحْدُ قطّ الا علم وَمَا علم امْرُؤ قطّ الا عمل وَقَالَ عمر بن عبد العزيز الفكرة فِي نعم الله من افضل الْعِبَادَة وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك لبَعض اصحابه وَقد رَآهُ مفكرا ايْنَ بلغت قَالَ الصِّرَاط وَقَالَ بشر لَو فكر النَّاس فِي عَظمَة الله مَا عصوه وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَكْعَتَانِ مقتصدتان فِي تفكر خير من قيام لَيْلَة بِلَا قلب وَقَالَ ابو سُلَيْمَان الْفِكر فِي الدُّنْيَا حجاب عَن الاخرة وعقوبة لاهل الْولَايَة والفكرة فِي الاخرة تورث الْحِكْمَة وتجلي الْقُلُوب وَقَالَ ابْن عَبَّاس التفكر فِي الْخَيْر يَدْعُو الى الْعَمَل بِهِ وَقَالَ الْحسن ان اهل الْعلم لم يزَالُوا يعودون بِالذكر على الْفِكر والفكر على الذّكر ويناطقون الْقُلُوب حَتَّى نطقت بالحكمة وَمن كَلَام الشَّافِعِي اسْتَعِينُوا على الْكَلَام بِالصَّمْتِ وعَلى الاستنباط بالفكرة وَهَذَا لَان الفكرة عمل الْقلب وَالْعِبَادَة عمل الجوارج وَالْقلب اشرف من الْجَوَارِح فَكَانَ عمله اشرف من عمل الْجَوَارِح وايضا فالتفكر يُوقع صَاحبه من الايمان على مَالا يوقعه عَلَيْهِ الْعَمَل الْمُجَرّد فان التفكر يُوجب لَهُ من انكشاف حقائق الامور وظهورها لَهُ وتميز مراتبها فِي الْخَيْر وَالشَّر وَمَعْرِفَة مفضولها من فاضلها واقبحها من قبيحها وَمَعْرِفَة اسبابها الموصلة اليها وَمَا يُقَاوم تِلْكَ الاسباب وَيدْفَع مُوجبهَا والتمييز بَين مَا يَنْبَغِي السَّعْي فِي تصحيله وَبَين مَا يَنْبَغِي السَّعْي فِي دفع اسبابه وَالْفرق بَين الْوَهم والخيال الْمَانِع لاكثر النُّفُوس من انتهاز الفرص بعد امكانها وَبَين السَّبَب الْمَانِع حَقِيقَة فيشتغل بِهِ دون الاول فَمَا قطع